ديبلوماسية الطرد المتبادل: موسم هجرة الجواسيس بين الجزائر وباريس

بوشعيب البازي

في ما يشبه مباراة كرة قدم بدون حكم ووسط جمهور غاضب يلوّح بجوازات السفر، أعلنت الجزائر طرد عنصرين من جهاز الأمن الداخلي الفرنسي (DGSI) بعد أن تسللا إلى أراضيها مستخدمين جوازات دبلوماسية، في محاولة لممارسة هوايتهم المحببة: “التجسس تحت غطاء البروتوكول”.

القناة الجزائرية الرسمية “AL24 News”، التي باتت في الآونة الأخيرة تؤدي دور وكالة المخابرات المركزية بنكهة مغاربية، نقلت عن الصحافي فيصل مطاوي، الذي يقال إنه صحافي لكنه يعمل أيضًا كمكلّف بمهمة في الرئاسة (في الجزائر، قد تكون صحافيًا، طبيب أسنان ومفاوضًا في نفس الوقت)، أن العنصرين الفرنسيين “نسيا” إبلاغ الجزائر بنيتهما دخول البلاد، في خرق فاضح لاتفاقيات فيينا، أو ما يسميه البعض “أدب الجواسيس”.

ولأن الجزائر لا تحب أن يُضبط أحد وهو يتجسس دون استئذان، خاصة إذا كان فرنسيًا، تم طرد الرجلين فورًا ووسمهما بختم “غير مرغوب فيهما”، وهي طريقة مهذبة لقول “ارحلوا… قبل أن نُرحّلكم بأنفسنا”.

هذا التطور يأتي في سياق مسلسل تصعيدي بدأ منذ أن قرر القضاء الفرنسي سجن موظف قنصلي جزائري على خلفية قضية اختطاف الناشط أمير ديزاد، وهو ما اعتبرته الجزائر إهانة لكرامتها السيادية التي لا تمس… إلا إذا كان الجاني فرنسيًا.

ردت الجزائر بإخراج قائمة سوداء من درج مكتبها، تضم 12 موظفًا فرنسيًا يعملون في مكافحة الإرهاب، الهجرة، التزوير، وربما التطفل المفرط. أمرتهم بالمغادرة خلال 48 ساعة، في تحرك يشبه إخراج الضيوف من حفلة دون تقديم الحلوى.

باريس، من جهتها، لم تتأخر في الرد، وقررت طرد نفس العدد من الموظفين الجزائريين. نوع من العدالة الرقمية على طريقة “12 بـ12″، وكأن العلاقات بين البلدين تدار بالحاسبة.

لكن نجم هذه المسرحية بلا منازع هو وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، المعروف بحبه لـ”القبضة الحديدية”، أو بالأحرى “الصفعة الدبلوماسية”. روتايو، الذي يبدو أنه قرر تحويل العلاقات مع الجزائر إلى تدريب ميداني للمخابرات الفرنسية، هو صاحب نظرية “الرد التدريجي”، والتي يبدو أنها تعني اتخاذ إجراءات عقابية بشكل بطيء ومدروس، تمامًا مثل طبخ الكسكس يوم الجمعة.

إجراءات روتايو تشمل تقليص عدد التأشيرات، إلغاء امتيازات الجوازات الدبلوماسية، وربما في المستقبل، فرض رسوم جمركية على الشاي الأخضر. في المقابل، تتعامل الجزائر مع روتايو كأنه “الشرير الوحيد” في حكومة ماكرون، وتفصل بينه وبين “الأصوات العاقلة” في باريس، وهي استراتيجية نفسية معروفة في المدارس السياسية الجزائرية تُعرف باسم “العدو التكتيكي”.

الناطقة باسم الحكومة الفرنسية، صوفي بريما، أعلنت بدورها أن العلاقات في حالة جمود. وهي عبارة دبلوماسية أنيقة تعني: “لا أحد يرد على رسائل الآخر، والجميع يضع هاتفه على الوضع الصامت”.


ختامًا:

في زمن كان يُقال فيه إن العلاقات الجزائرية الفرنسية معقدة، يبدو أن التعقيد نفسه قرر الانسحاب احترامًا لهذا الفوضى المنظمة. نحن أمام نسخة مغاربية من مسلسل “صراع العروش”، لكن الفرق أن العروش هنا دبلوماسية، والتنانين… مجرد موظفين يحملون جوازات سفر من الفئة الخاصة.

سؤال وحيد يبقى مطروحًا:
من يُخرج من الملعب أولاً… الجواسيس أم الحسّ السليم؟

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: