يبدو أن مناورات “سلام إفريقيا 3″، التي من المقرر أن تُجرى في الجزائر من 21 إلى 27 مايو الجاري، ستكون هذه السنة أشبه بـ”مهرجان عسكري بلا جمهور”، أو على الأقل بلا جمهور رئيسي. فقد اعتذرت مصر، وأكدت موريتانيا انسحابها، بينما لم تُسجَّل أصلاً نية للمشاركة من المغرب، والسبب؟ بسيط جدًا: البوليساريو على قائمة المدعوين.
وهكذا، تحولت فكرة “السلام الإفريقي” إلى أزمة دبلوماسية إفريقية جديدة، عنوانها: من يحق له حمل السلاح باسم السلم؟ وهل يكفي أن تمنحك الجزائر بطاقة حضور لتُصبح طرفًا إقليميًا مشروعًا في تمارين شبه قتالية؟
القاهرة، بدبلوماسيتها التقليدية الهادئة، قالت كلمتها: لا مكان للمليشيات الانفصالية في مناورات رسمية، وخصّت جبهة البوليساريو بالذكر، ليس فقط لكونها حركة لا تحظى باعتراف أممي أو أوروبي، بل لأنها تشكّل، بحسب ما جاء في تصريح الجنرال المصري المتقاعد محمد عبد الواحد، “تهديدًا لوحدة الدول، ومصدر فتنة مزمن في شمال القارة”.
واللافت أن الجزائر، وهي الجهة المنظمة، لم تفاجأ على ما يبدو بهذا الرفض. فقد أكدت صحفها المقربة من السلطة، بروح شبه دفاعية، أن الجيشين المصري والموريتاني “لن يشاركا” هذه السنة، ووصفت الخبر بأنه عادي… رغم أن العادي في المناورات العسكرية هو أن تُجرى بين جيوش وليس بين جيش ومجموعة مسلحة تحت خيمة من الشرعية الوهمية.
والأدهى أن القاهرة، وهي التي استضافت قبل أشهر فقط اجتماعا لـ”قدرة إقليم شمال إفريقيا”، تحاول اليوم، دون ضجيج، إعادة ترتيب بيت هذه الهيئة العسكرية الإقليمية التي تتعثر منذ إنشائها، لا لضعف الموارد ولا لغياب الإرادة، بل ببساطة لأن الجزائر أصرّت على دسّ “ضيف غير مدعو” في كل مائدة حوار.
وبينما تسعى مصر، ومعها موريتانيا، إلى إنقاذ ما تبقى من هيبة “قدرة شمال إفريقيا” كمنظومة رسمية يفترض أن تخدم السلم لا التفرقة، تصرّ الجزائر على خلط الأوراق، وجعل مناورات السلام مناسبة لتقديم جبهة البوليساريو في مشهد استعراضي ببدلات عسكرية، على أمل تطبيع حضورها داخل الفضاء الإفريقي… ولو رمزيًا.
لكن الرسالة وصلت، وبوضوح: إما أن يكون هناك سلام حقيقي بين الدول، أو لا يكون. لأن السلام، حتى في أضعف تعريفاته، لا يُصنع على حساب وحدة الدول الأعضاء، ولا يمكن أن يكون ستارًا لتمرير أجندات انفصالية تحت لافتة “القدرة القتالية”.
المثير للسخرية أن اسم المناورات هو “سلام إفريقيا”، بينما قائمة المشاركين توحي أكثر بـ”شقاق إفريقيا 3″، والذين قاطعوا، قاطعوا ليس لأنهم ضد السلم، بل لأنهم يعرفون جيدًا الفارق بين الجيوش… والميليشيات.
فهل يدرك الاتحاد الإفريقي أنه أصبح رهينة تناقضات أعضائه؟ وهل يجرؤ على مراجعة موقفه من عضوية البوليساريو التي صارت عبئًا استراتيجيا أكثر من كونها تمثيلاً سياسيًا؟ الإجابة قد تتأخر، لكن الواضح أن رسالة مصر، بصمتها، كانت أبلغ من كل بيانات الاستنكار: لن نشارك في تمثيلية لا تليق بالجيوش النظامية.