“ذكرى البوليساريو: احتفال بالولادة… ومطالبة بالإقالة!”

يوسف لفرج

في الوقت الذي تتحضّر فيه جبهة البوليساريو لإطفاء شمعتها الثانية والخمسين، يبدو أن البعض قرر أن يستبدل قالب الحلوى بعريضة احتجاج، وبدل الأغاني الثورية اختار نشيد “ارحل” الموجّه مباشرة لزعيم الجبهة، إبراهيم غالي، الذي تحوّل من رمز نضالي إلى مادة ساخرة على موائد الصحراويين الغاضبين في تندوف.

الذكرى التي من المفترض أن تُغنّى فيها الأناشيد الحماسية وتُرفع فيها الصور بحماسة، تحوّلت إلى مناسبة لعرض لائحة مطالب قد تُربك حتى قسم الموارد البشرية في الجبهة. مجموعة من الكوادر المتوسطة (ولأن الجبهة لا تملك كوادر عليا غير أولي القربى!) وقّعوا عريضة تدعو إلى مؤتمر استثنائي، ليس لتحديث الشعارات، بل لتحديث الوجوه… وربما التخلص من بعضها.

الموقعون – وهم من داخل البيت، وليسوا من “العملاء” كما تُحب الجبهة أن تسمي كل معارض – طالبوا بتغيير شامل، بدءاً من الخطاب السياسي الذي يبدو أنه خرج في تقاعد مبكر، وصولاً إلى البنية التي لم تتغير منذ كانت الراديو وسيلة الاتصال الوحيدة بالمخيمات.

أما إبراهيم غالي، فلا يزال يتمسك بشعارات سبعينيّة كأن الزمن توقف عند سنة 1973، دون أن يلحظ أن العالم تغيّر، وأن حتى تندوف لم تعد تحتمل الكذب القديم. بحسب محمد سالم عبد الفتاح، الجبهة “تعيش على أنقاض خطاب تجاوزه الزمن” – وهو تشخيص دقيق لحالة سياسية لا تزال تعيش على أوكسيجين “التحرير الوشيك” منذ نصف قرن.

لكن مهلاً، الأمر لا يقف عند مجرد انقسام داخلي. في الخارج، العالم يتغيّر، الاعترافات بمغربية الصحراء تتوالى كما تتوالى نوبات الصداع في رأس قيادة الجبهة: الولايات المتحدة، إسبانيا، فرنسا، وحتى دول كانت تكتفي بالصمت، أصبحت تفتح قنصلياتها في العيون والداخلة، في مشهد أقرب إلى افتتاح فرع جديد من سلسلة انتصارات مغربية.

أما الجزائر، فهي تراقب هذا الانهيار البطيء للجبهة كما يراقب المهندس انهيار مبنى شارك في تصميمه: بذهول صامت، وربما بقليل من الندم الذي لا يُقال. ومع عودة عبد القادر طالب عمر – أحد القادة المُعبئين بثقافة “التحرر الأبدي” – وتعيينه “وزيرًا للتعليم”، يبدو أن هناك من يُعد العدة للانقضاض على كرسي القيادة، في دورة جديدة من لعبة الكراسي الثورية.

المضحك – أو المبكي – أن الجبهة، التي وُلدت تحت شعار الاستقلال، أصبحت اليوم مهددة بالانقراض تحت شعار “كفى!”، ليس من الخصوم، بل من أبنائها. أما حلم الدولة الصحراوية، فلم يعد يتجاوز حدود خيمة متهالكة في مخيم بائس، تسكنه ذاكرة مثقوبة وأمل يتيم.

هكذا، وبين ذكرى التأسيس وعريضة التنحي، يكتشف الصحراويون أن خمسين عامًا من الوعود لم تنتج إلا قيادات تُجيد الخطابة ولا تُجيد القيادة، وأن التحرر الحقيقي… يبدأ من التحرر من الوهم

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: