إفريقيا من التحرر إلى التنمية: المغرب يرسم معالم الشراكة الاستراتيجية بقيادة ملكية رشيدة

بوشعيب البازي

العيون – في سياق اللقاء الدولي المنعقد بمدينة العيون تحت شعار “إفريقيا من فكر المقاومة والتحرر إلى فكر التنمية”، ألقى الدكتور عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، محاضرة وُصفت بالمتميزة، تناول فيها بالدراسة والتحليل الرؤية الاستراتيجية المتبصّرة التي تنتهجها المملكة المغربية، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، في تعزيز الشراكة مع القارة الإفريقية.

استهل الدكتور بوصوف مداخلته بالتأكيد على أن السياسة الإفريقية للمغرب ليست خيارًا ظرفيًا ولا رد فعل مرحلي، بل هي امتداد لتاريخ مشترك وجغرافيا متداخلة، ورؤية تقوم على مبادئ راسخة تتصدرها الإنسانية والتضامن والتكامل، مضيفًا أن المقاربة الملكية تنأى عن منطق الهيمنة والوصاية، وتعتمد على شراكات رابح-رابح تضمن مصالح مشتركة وتخدم الاستقرار والتنمية في القارة.

وسلط بوصوف الضوء على البعد الروحي والديني الذي يُشكّل إحدى ركائز هذه الرؤية، مبرزًا الدور الريادي لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في ترسيخ نموذج إسلامي معتدل، ومواجهة التطرف، عبر تكوين أئمة ودعاة وفق منهج الوسطية والانفتاح، في ما يشكل رافعة أساسية لتعزيز الأمن الروحي الإفريقي.

وعلى الصعيد الاقتصادي، استعرض المحاضر أبرز محاور التعاون المغربي-الإفريقي، من خلال عشرات الاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف التي تهم قطاعات حيوية مثل الفلاحة، الصحة، الطاقة، البنيات التحتية، إضافة إلى حضور لافت للمؤسسات المالية المغربية وشركات الاتصال والعقار في عدد من البلدان الإفريقية، مما يعكس انخراطًا فعليًا في دينامية تنموية عابرة للحدود.

كما اعتبر الدكتور بوصوف أن العودة القوية للمغرب إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017 شكّلت منعطفًا حاسمًا، أعاد المملكة إلى قلب القرار القاري، وأطلق دينامية دبلوماسية نشطة تعكس رؤية المغرب في المساهمة الفاعلة في قضايا القارة، وفي مقدمتها التنمية المستدامة والسلم الإقليمي.

وفي سياق الدبلوماسية الملكية الميدانية، أشار إلى أن جلالة الملك قام بأكثر من خمسين زيارة إلى حوالي ثلاثين دولة إفريقية، ما يجسد التزامًا شخصيًا بتقوية جسور التعاون جنوب-جنوب، وتعزيز الثقة المتبادلة، وبلورة مشاريع مشتركة تلبي طموحات شعوب القارة.

وفي الجانب الأمني، أبرز المحاضر أن المغرب يضطلع بدور محوري في تعزيز الاستقرار الإقليمي، سواء من خلال التعاون الاستخباراتي والأمني، أو عبر مساهمته في محاربة الإرهاب والهجرة غير النظامية، وهو ما يجعله شريكًا موثوقًا يحظى بتقدير دولي متزايد.

وأكد الدكتور بوصوف على أن المغرب يلتزم بمبادئ احترام السيادة الوطنية للدول الإفريقية، ويؤمن بقدرة القارة على صياغة حلولها الذاتية لتحدياتها، بعيدًا عن أي تدخلات خارجية، وهو ما يمنح الشراكة المغربية الإفريقية مصداقية ومتانة متزايدتين.

وفي ختام محاضرته، توقف المحاضر عند مشروع أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب باعتباره أحد أكبر المشاريع الاستراتيجية بالقارة، ودليلًا ملموسًا على الرؤية المغربية لمستقبل إفريقي مشترك يقوم على التكامل والربح المتبادل.

وقد حظيت المحاضرة بتفاعل كبير من قبل الحضور، من أكاديميين ودبلوماسيين وإعلاميين، الذين أجمعوا على أن الخطابات الملكية تشكل خارطة طريق متكاملة لتحويل القارة الإفريقية إلى فضاء مزدهر، يسوده الاستقرار، وتنمو فيه فرص التنمية الشاملة والمستدامة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: