هشام جيراندو… “الثائر الافتراضي” الذي أفرط في النضال حتى تحوّل إلى متهم بالإرهاب!
بقلم: بوشعيب البازي
في زمن الرقمنة الشاملة، حيث تُناضل من سريرك وتُهدد من على أريكتك، تسقط الحدود بين حرية التعبير وخطاب القتل، ويتحوّل اليوتيوب من منصة للفيديوهات اللطيفة إلى ساحة حرب افتراضية. وهذا بالضبط ما حدث مع السيد هشام جيراندو، الذي حوّل شاشته إلى ساحة للتنظير الدموي، قبل أن تضعه محكمة الاستئناف بالرباط في خانة “التحريض الإرهابي”، وتقرر منحه وسامًا من عيار ثقيل: 15 سنة سجنًا نافذًا، غيابيًا، لأن المنفى أحيانًا نعمة… خصوصًا حين تكون مُدانًا!
الحكاية بدأت في ماي 2023، حين قرر القاضي السابق نجيم بنسامي أن يتوقف عن لعب دور المشاهد الصامت، وتقدّم بشكايتين ضد جيراندو، واحدة في المغرب، والثانية في كندا، متهماً إياه بـ”التحريض على قتله وتمثيل جثته على طريقة أفلام الرعب منخفضة الميزانية”. لا أحد يعرف ما إذا كان جيراندو قد قرأ أكثر من اللازم في أدبيات داعش، لكنه بالتأكيد شاهد أكثر من اللازم من مسلسلات “الجهاد الإلكتروني”.
تصريحات هشام جيراندو كانت صادمة حتى لخيال المؤلفين. الرجل طالب، بالصوت والصورة، بـ”إعدام القاضي، ثم إحيائه، ثم إعدامه مرة أخرى”. يبدو أن الإبداع السياسي بلغ عنده مراحل متقدمة من “السادية الديمقراطية”، حيث تصبح الدعوة إلى القتل المتسلسل نوعًا من “حرية التعبير المتقدمة”.
ولأن التحريض كان على المكشوف، وبالدارجة الموجهة للشباب “المتشبع بالفكر التكفيري”، فقد قررت المحكمة أن لا تُمارس فلسفة التأويل، وأن تتعامل مع النص كما هو: مشروع إرهابي متكامل الأركان. بل إن جيراندو لم يكتف بالكلام، بل نشر صور القاضي وأبنائه، ومعلوماتهم الشخصية، وكأنه يوزع “خريطة طريق” للجماعات الإرهابية.
بعد هذه الفيديوهات “الملهمة”، توصل القاضي برسائل تهديد تحبس الأنفاس، بعضها مذيل بتوقيع تنظيمات إرهابية، وبعضها لا يحتاج توقيعًا أصلًا: “سندفنه حيًا، ونقطع رأسه وأفراد أسرته”… هذا النوع من “البلاغات” لا يمكن تصنيفه ضمن “الرأي الآخر”، ولا حتى ضمن أدب المقاومة… بل هو ببساطة جريمة!
ومن سخريات القدر أن هشام جيراندو، الذي اعتاد التنظير للعدالة من منفى كندا، وجد نفسه اليوم في مواجهة محكمة مغربية أدانته، وأخرى كندية ما زالت تلاحقه، وأحكام تُكتب باسمه على جدران العدالة بدل حوائط فيسبوك.
القصة، باختصار، تُعلّمنا درسين:
أولاً، أن الكلمة قد تقتل، وأن حرية التعبير ليست ترخيصًا للفتاوى الإجرامية.
وثانيًا، أن الدولة، حين يتعلق الأمر بأمن القضاة والمؤسسات، لا تمزح.
ختامًا، قد لا يعود هشام جيراندو إلى المغرب قريبًا، وربما سيواصل نشر فيديوهاته من شتات المنفى، لكن المؤكد أن “الكاميرا الخفية” قد انتهت، و”الثائر الرقمي” صار الآن مجرمًا بقوة القانون، بعد أن تاه بين شعارات الثورة… وأوهام الدم.