هشام جيراندو… حين تتحول “المنفى الاختياري” إلى غرفة عمليات إرهابية
بقلم: بوشعيب البازي
انتهت فصول واحدة من أكثر المسرحيات السوداء إثارة هذا العام، بخروج الستار داخل محكمة الاستئناف بالرباط، حيث نطقت العدالة بحكمها على هشام جيراندو، المواطن الكندي المقيم هناك جسداً، والمغربي المتجول ذهنياً في دهاليز التطرف، بخمسة عشر سنة سجناً نافذاً. وهو حكم ثقيل، لكنه في نظر كثيرين ليس أثقل من قائمة التهم التي جرّها خلفه كما يجرّ الأرنب شتاءً ذيله الموحل.
ولمن لا يعرف جيراندو، فهو ليس مجرّد مغترب حنّ إلى قهوة “نصف نصّ نصّ” المغربية، بل هو ـ حسب أوراق المحكمة ـ مهندس عصابة إرهابية، ومصمم مشروع جماعي يهدف للمس الخطير بالنظام العام، معزوفة على مقام التخويف والتهديد والعنف… وكل ذلك من خلف شاشة هاتف ذكي، وشبكة واي فاي كندية محترمة السرعة.
القصة بدأت كما تبدأ عادة هذه القصص: سيدة تتقدم بشكاية، رفقة أحد أقاربها، بسبب التهديد والتشهير والابتزاز، عبر تطبيقات التراسل الفوري، وأبرزها ذلك التطبيق الذي حوّل الكثير من المتثاقفين إلى جنرالات في حرب افتراضية: “واتساب”. لم تكتفِ “شبكة جيراندو” – التي تضم عشرة أفراد – بالتهديد فقط، بل امتهنت التشهير، ونشر الأخبار الزائفة، وإهانة مؤسسات الدولة الدستورية وكأنها تتحدث عن فرقة موسيقية لا يعجبها عزفها.
وحين أطل وكيل الملك، يوم 4 مارس 2025، من منصة الندوة الصحفية بعين السبع، وأعلن تفكيك “شبكة جيراندو”، فهمنا أن القضية ليست مجرّد زلة “يوتيوبر” حالم بـ”الترند”، بل خطة مدروسة على إيقاع برامج تشبه ما تقدمه أجهزة المخابرات الرديئة في أفلام الدرجة الثالثة.
ما جرى لم يكن مجرد “تدوينات غاضبة”، بل كان مشروعاً حقيقياً لتكوين عصابة إرهابية، استثمرت في حقدها الرقمي، وراهنت على زعزعة الأمن والاستقرار، ظناً منها أن المسّ بهيبة الدولة يمكن أن يتم عبر الميكروفون والميك أب.
هشام جيراندو، الذي بنى لنفسه على الإنترنت صورة المناضل الشرس من شرفة “المنفى الكندي”، سقط في فخ الغرور الرقمي. فبين فيديو تحريضي وتدوينة مسمومة، صنع لنفسه زعامة إلكترونية لا يتعدى جمهورها حدود الدردشة الجماعية. لكنه، ويا للمفارقة، وجد نفسه فجأة وجهاً لوجه أمام عدالة لا تعترف بـ”اللايكات” ولا بـ”الترندات”، بل بالمحاضر، والدلائل، والنيابات العامة.
وما زاد من عبء القضية، أن الرجل لم يكتفِ بالتنظير، بل تجاوز ذلك إلى تشكيل شبكة تتقن فن الابتزاز والتشويه، وتوزع صكوك الوطنية مثلما توزع صفحات مجهولة شتائمها على الجميع. إهانة محام أثناء مزاولته لمهامه؟ حاضر. التحريض على العنف؟ موجود. إهانة هيئات منظمة؟ أيضاً في القائمة. لم ينقص سوى أن يُتهم بإزعاج الجيران ليكتمل المشهد العبثي.
اليوم، ومع الحكم الصادر، تتنفس العدالة الصعداء، لكن الأنظار تتجه إلى باقي أعضاء الشبكة الذين ينتظرون دورهم في الوقوف أمام القوس. فالقضية لم تكن فقط قانونية، بل كانت رسالة إلى أولئك الذين يعتقدون أن الحرية في التعبير تعني حرية الهدم والتهديد ونسف ما تبنيه المؤسسات في صمت.
إن تجربة هشام جيراندو هي تذكير للجميع بأن “النضال الافتراضي” حين يتحول إلى “تأطير إرهابي”، فالقضية لم تعد حرية تعبير، بل جنحة وربما جناية. وأن الميكروفون قد يصبح سلاحاً إذا ما تم تسليمه لمن يتقن الصراخ ولا يفهم الدولة.
في النهاية، لا بد من القول إن الحكم ليس فقط على جيراندو، بل على فكرة خطيرة بدأت تتسلل إلى بعض العقول: أن المعارضة لا تحتاج بوصلة، وأن الوطنية تُمارس من خلال إهانة رموزها. خمسة عشر سنة سجناً كفيلة بأن تذكّر الجميع بأن اللعب بالنار، حتى من كندا، قد يحرق أصابع صاحبه… في الرباط.