المغرب و”بنك بريكس”: عندما يطرق الباب من لم يُدعُ إلى العشاء

بقلم: بوشعيب البازي

في عالم الدبلوماسية الاقتصادية، لا شيء يضاهي مشهد مسؤول دولي يتودد إلى بلد لم يبدِ يوماً اهتماماً بالانضمام إلى ناديه. اند كومار سريفاستافا، رئيس العمليات في “بنك التنمية الجديد” التابع لمجموعة بريكس، وجد نفسه في الرباط يحاول – بنبرة ملؤها الرجاء – إقناع المغرب بالانضمام، أو على الأقل بالتفكير في الأمر، أو حتى ببعث إشارة خجولة… أي شيء، فقط لا شيء!

منذ سنتين، أعلن المغرب بمنتهى الأناقة السياسية أنه “غير مهتم” بالالتحاق بمجموعة بريكس، وهو تصريح يمكن ترجمته دبلوماسياً إلى: “شكراً على الدعوة، لكننا مشغولون حالياً بترتيب بيتنا الأفريقي، وتصفيف شراكاتنا الاستراتيجية”. ومع ذلك، يبدو أن بنك بريكس لم ييأس بعد، ولا يزال يمدّ يده للمملكة على أمل أن تمسك بها، ولو على استحياء.

السيد سريفاستافا، خلال مشاركته في ندوة عن الصفقات العمومية المراعية للمناخ – عنوان لا يخلو من شعرية بيروقراطية – لمّح إلى أن “الكرة في ملعب المغرب”، وكأن الرباط تلعب مباراة شطرنج ضد خصوم جيوسياسيين وتملك خيار “تحريك الحصان” في اتجاه بنك يتحدث لهجة روسية صينية هندية… مع لمسة برازيلية.

لكن الرباط، كما يُصرح الأكاديمي عبد النبي صبري، لا تلعب إلا وهي تضع “توازناتها” أمامها. فهي تزن كل خطوة بميزان حساس: علاقاتها مع واشنطن والغرب من جهة، وتحالفاتها مع روسيا والصين من جهة أخرى، وكل ذلك وسط نار مشتعلة في نزاع الصحراء الذي ترفض جنوب أفريقيا أن تطفئه ولو بسطل ماء بارد.

من وجهة نظر مغربية، الانضمام لبريكس لا يبدو مغرياً بما يكفي حتى الآن. ليس فقط لأن بنك التنمية الجديد لم يفتح فرعًا في كازابلانكا بعد، بل لأن أحد المؤسسين – جنوب أفريقيا – يصدر دعوات وكأنها حفلات خاصة في بيته، لا في صالون جماعي تقوده الخمسة الكبار. فالمغرب لا يُحب أن يُستدعى لمائدة قُدمت دعواتها بمنطق “من نحب… لا من نحتاج”.

ومع أن الروس والبرازيليين والصينيين يغازلون الرباط بتصريحات ناعمة ومشاريع عملاقة، فإن المملكة لا تزال تنظر من الشرفة، تراقب من يطرق بابها، وتُفكر: هل من مصلحة في فتح هذا الباب الآن؟ أم نترك الطارق واقفًا قليلاً ليدرك قيمة البيت الذي يطلب زيارته؟

واقع الحال أن المغرب أصبح رقماً صعباً في أفريقيا، بشراكات تمتد من أنبوب الغاز مع نيجيريا إلى ميناء الداخلة، مرورًا بميناء طنجة المتوسط الذي يرسل بضائعه إلى قارات، أكثر مما ترسل بعض الدول رسائل بريد. من هذا الموقع الجيوستراتيجي، ليس غريباً أن يُنظر إلى المغرب كبوابة أفريقيا والعرب نحو أوروبا، لكن البوابة لا تُفتح لكل من صفّر أمامها.

حتى الآن، لا وجود لطلب رسمي مغربي للانضمام إلى بريكس، وهذا يعني شيئًا واحدًا: أن المملكة، ببساطة، ليست في عجلة من أمرها. هي تفضل التريث، وفحص العقد جيدًا، قبل التوقيع على أي التزام قد يجرها إلى مائدة فيها من يسحب الكراسي أكثر مما يمدّ الصحون.

أما حضور ممثل بنك بريكس لفعالية في الرباط، فقد يكون بداية علاقة جديدة… أو مجرد زيارة بروتوكولية لن تُثمر أكثر من كوب شاي أخضر وابتسامات متبادلة.

وبينما يُصرح يوري أوشاكوف من الكرملين بأن المغرب “ضمن لائحة طويلة من الدول التي ترغب في الحوار مع بريكس”، يحق لنا التساؤل: من وضع اسم المغرب في هذه اللائحة؟ ومن قال إنه يريد الكلام أصلًا؟ أم أن بريكس يحاول بيع المغرب فكرة لم يطلبها، مثل مندوب مبيعات يطرق بابًا يقول عليه بوضوح: “لا نحتاج شيئًا. لدينا كل شيء”.

في النهاية، لا أحد يستطيع إنكار أن العالم يتغير، وتوازناته تتحول. لكن المغرب، بعقلانية محنكة، يصرّ على أن يتغير هو الآخر… بشروطه، لا بشروط غيره

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: