الجزائر وروسيا: حكاية حب بدأت بـ”كلاشينكوف” وتنتهي بـ”درون” أمريكي

بقلم بوشعيب البازي

في السياسة كما في الحب، لا شيء يدوم للأبد، حتى لو رقصت مع حليفك السابق فوق دبابة T-90 طيلة عقود. الجزائر، الدولة التي لطالما عُرفت بولائها شبه العقائدي لروسيا، قررت أخيراً أن تنظر باتجاه آخر، وربما تُجرّب دفء “البنتاغون” بعد برد الكرملين. كل ذلك بدعوى الواقعية الجيوسياسية… أو كما يقول العارفون: “اللي ما يعجبك بدّلو، حتى فالسلاح!”.

لسنوات، كانت الجزائر الزبون الذهبي لموسكو، تشتري منها كل شيء من الكلاشنيكوف إلى منظومات الدفاع الجوي، ومن المستشارين إلى الحكايات الثورية. لكن الحرب في أوكرانيا كشفت للعسكر الجزائري أن “السلاح الروسي” ليس ذلك التنين الأسطوري الذي لا يُقهر، بل مجرد دبابة تعاني من سعال تقني.

أما الكارثة الكبرى، فهي أن روسيا لم تكتفِ ببيع الأسلحة للجزائر، بل راحت تتمدد جنوبًا، وتضع أقدامها الثقيلة في مالي، تشاد، النيجر، وحتى ليبيا، حيث تدعم حفتر كما يدعم الكرملين “روسي” في الشطرنج: بيادق تُحرّك، لا تسأل. الجزائر، التي اعتادت أن ترى الساحل الإفريقي حديقتها الخلفية، اكتشفت فجأة أن الدب الروسي نصب له خيمة هناك، دون إذن أو دعوة.

وهكذا، بدأت أروقة وزارة الدفاع الجزائرية تصدح بأغنية جديدة: “يا أمريكا يا أمريك، أعطينا طائرات ودرون… خلينا نفيق!”. ومن كان بالأمس يعتبر واشنطن رأس الشر، بات اليوم يغازلها عبر العروض العسكرية، ويطلب نظام رادارات كمن يطلب يد ابنة الجيران. كل هذا لحماية حدود أصبحت فجأة “مكشوفة” أمام شركات الأمن الروسية، التي دخلت مالي تحت اسم “فاغنر” وخرجت باسم “فيلق إفريقيا”، ومن يدري بأي اسم ستعود.

المفارقة الساخرة أن من كان يهاجم “التطبيع مع إسرائيل” صار اليوم يتحدث عن الاعتراف بها “إذا قامت دولة فلسطينية” (في تصريح أقرب إلى شراء تأمين سياسي منه إلى تغيير قناعة). وفي الأثناء، تبني الجزائر سككًا حديدية من العاصمة إلى تندوف، وأليافًا بصرية إلى نيامي، وخط أنابيب غاز إلى قلب إفريقيا، بينما تشكو من تغلغل روسيا على مرمى حجر!

هل تحولت الجزائر من دولة عدم الانحياز إلى دولة “كل شيء قابل للتفاوض”؟ ربما. لكن ما هو أكيد أن مشاعر الجنرالات تجاه روسيا بدأت تبرد، ودفء العلاقات صار بحاجة إلى بطارية نووية من صنع أمريكي.

حتى في الجيش، بدأنا نرى جيلاً جديداً، تربّى على “الويفي” وليس على “الستالينية”، يرى في طائرات الدرون الأمريكية أكثر فاعلية من قصائد “ماو تسي تونغ”، ويفضل شراكة مع البنتاغون على علاقة سامة مع الكرملين.

وفي النهاية، لعل أهم درس تعلمته الجزائر من مغازلة موسكو ثم التفكير في واشنطن هو التالي: في السياسة الدولية، لا توجد صداقات دائمة، بل مصالح دائمة… وحتى هذه قد تُحدّث إصدارها سنوياً، كما نفعل في هواتفنا.

أما نحن، المتفرجون، فسننتظر الفصل القادم من هذه الرواية المثيرة، علّنا نرى “سوخوي” تتقاطع مع “F-16” في سماء تندوف، أو “تبون” يقف بجانب “بايدن” ويقول: “إنها بداية صداقة جميلة… ومربحة”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: