في لحظة وُصفت بأنها ارتجال غير موفق، وربما “صدق عفويّ قاتل”، خرج علينا عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المغربية الأسبق، ليوزّع على أبناء وطنه ألقابًا لا توزعها حتى أشهر صالات المزاد العلني في تويتر: “ميكروبات” و”حمير”. هكذا، بلا تحفظ ولا محاسبة، يقرر أحد أبرز رجال السياسة السابقين، الذي مرّ من باب رئاسة الحكومة، أن ينزل إلى قاع القاموس ليخاطب المغاربة كما يخاطب الفلاح الحمار الذي خرج عن الصف.
الصدمة ليست فقط في الألفاظ، بل في موقع من قالها. فهذا ليس نجم ستاند أب كوميدي سقطت منه جملة في لحظة انفعال، بل رجل يتقاضى معاشًا سمينًا من أموال دافعي الضرائب، ويعتبر نفسه زعيمًا أخلاقيًا لحزب له “مرجعية”.
دعونا نفتح نافذة صغيرة على أوروبا، تلك القارة التي تحاسب المسؤولين ليس فقط على ما قالوا، بل على ما لم يقولوه بالشكل اللائق. في بريطانيا مثلًا، اضطر وزير سابق للاستقالة لأنه لمس ظهر موظفة دون إذنها. في فرنسا، قد يُسحب منك المنصب بسبب نكتة ثقيلة. وفي ألمانيا، يكفي أن تقتبس فقرة دون إحالة واضحة في رسالة الدكتوراه لتُجرد من وزارتك. أما في المغرب؟ يمكنك أن تنعت شعبك بالميكروبات… ثم تخرج لتشرب الشاي وتطلب من الناس “النية”.
ما قاله بنكيران لا يدخل في خانة “الزلة”، بل في خانة الإهانة العامة، يستحق – في أي نظام سياسي يحترم كرامة مواطنيه – فتح تحقيق رسمي، وبيان استنكار من الحكومة، وربما متابعة قضائية بتهمة السب العلني لمكون اجتماعي بأكمله. فأن تسب صحافيًا أو سياسيًا يختلف تمامًا عن أن تسب شعبًا.
ويبقى السؤال: أين هيبة الدولة؟ وهل يحق لأي مسؤول سابق أن يتحدث من منبر عمومي كما يشاء دون حسيب؟ هنا فقط يأتي دور المؤسسة الملكية باعتبارها الضامن لوحدة الأمة واحترام المؤسسات. فمن الطبيعي، في مثل هذه الحالات، أن يصدر موقف رمزي يذكر الجميع بأن المواطن المغربي – أيا كان رأيه أو موقعه – ليس عرضة للشتائم، ولا مادة للسخرية لدى من استهلك رصيده السياسي ويحاول العودة عبر بوابة الشعبوية الخشنة.
عبد الإله بنكيران، الذي بنى مجده على “التواصل مع الشعب”، يبدو اليوم وكأنه يضرب ذلك الشعب في عمقه. فهل هو نادم؟ هل سيعتذر؟ على الأرجح لا. لأنه لا يرى في كلامه إهانة، بل “دعابة ثقيلة” في ندوة أخف منها عقلًا.
لكن ما نعلمه جيدًا، هو أن الديمقراطية لا تُقاس فقط بعدد الصناديق، بل بمدى احترام من يخرج منها لصوت المواطن… حتى وإن لم يصفق له.