المغرب يستقبل دول الساحل… والجزائر تستقبل ميليشيا: فرق البروتوكول!

بوشعيب البازي

في الأسبوع الماضي، بدا وكأن منطقة شمال أفريقيا قررت أن تعلن عن مواقفها السياسية من خلال استقبال الضيوف، وكأن البروتوكول صار مرآة للسياسة. ففي الرباط، استقبل الملك محمد السادس وزراء خارجية دول الساحل الثلاث (بوركينا فاسو، مالي، النيجر) في مشهد هادئ، منظم، وذو دلالة جيوسياسية عميقة. وفي الجزائر، استقبل الرئيس عبد المجيد تبون من؟ إبراهيم غالي، زعيم ميليشيا البوليساريو، في مشهد لا تنقصه سوى موسيقى فيلم من أفلام التشويق الرديء.

الفارق بين الاستقبالين ليس فقط في نوعية الضيوف، بل في نوعية الرؤية. المغرب يتحدث عن الأمن والتنمية والربط الأطلسي، بينما الجزائر تواصل لعب ورقتها الوحيدة المتبقية: دعم الميليشيات، كمن يحاول ترميم بيت محترق عبر إطلاق الألعاب النارية.

الرباط: مؤتمر للعقلاء

الاستقبال الملكي لم يكن مجرد صور دبلوماسية، بل إعلان عملي عن أن المغرب لا يبيع الشعارات بل يقترح الحلول: أنبوب غاز أفريقي-أطلسي، مشاريع لوجستية، مبادرة لتمكين الدول الحبيسة من ولوج البحر… باختصار، دفتر تنمية بحجم قارة.

المملكة لم تقدم فقط المساعدات، بل قدّمت تصورا كاملا للتكامل الإقليمي، قائما على المسؤولية، والتنمية، واحترام سيادة الدول. المغرب يتحدث لغة المستقبل، والرباط تتحول بهدوء إلى ملتقى أفريقي-أطلسي استراتيجي، بعيداً عن منطق الصراعات الخشبية.

الجزائر: جمهورية البيانات المستعجلة

في المقابل، لم تجد الجزائر ما تفعله سوى أن تستقبل إبراهيم غالي، كنوع من الردّ الطفولي على ديناميكية الرباط. جنرالات الجزائر الذين فشلوا في الحفاظ على استقرار عمقهم الإستراتيجي في الساحل، عادوا إلى هوايتهم القديمة: دعم الانفصال، وصناعة المشاكل بالجملة.

هذا الاستقبال هو بمثابة رسالة محزنة إلى القارة: الجزائر ما زالت عالقة في الماضي، في لعبة صفرية، حيث كل تنمية مغربية تُعتبر تهديداً، وكل تقارب أفريقي مع الرباط يُترجم كـ”مؤامرة إمبريالية”.

دبلوماسية الميليشيا

والأخطر أن ميليشيا البوليساريو، التي شهدت اقتتالاً داخلياً دموياً في مخيمات تندوف قبل أيام فقط، تُعامل على أنها “ضيفة شرف”. وكأن النظام الجزائري فقد البوصلة، وصار يستقبل مشاكل الآخرين وهو لا يستطيع حتى تهدئة مشاكله الداخلية.

دعونا نكون صرحاء: أي نظام يحتفي بقيادة ميليشيا مصنفة ضمن تقارير دولية كطرف غير حكومي مسلح وعنيف، هو نظام يرسل رسالة واضحة بأنه مستعد لحرق الإقليم فقط كي لا يرى جاره يتقدّم.

بين رؤية ملكية وارتباك عسكري

المغرب لا يكتفي بالحديث عن الأمن، بل يصنعه. الجزائر لا تكتفي بالحديث عن المؤامرات، بل تتخيلها وتكتب لها سيناريوهات أسبوعية. وبينما يتحدث المغرب عن أجندة أفريقيا 2063، يبدو أن الجزائر ما زالت عالقة في عام 1975، حين كان النفط كثيرًا والمستقبل قابلًا للتأجيل.

الفرق بين البلدين اليوم لم يعد في اللغة، بل في المنطق. المغرب يخطط مع الدول، الجزائر تستقبل ميليشيات. المغرب يطرح مشاريع اقتصادية، الجزائر تلوّح بخطابات خشبية. المغرب يبحث عن الشراكة، الجزائر تبحث عن “عدو”.

في الرباط، تُستقبل الوفود التي تمثل شعوبًا ودولًا. في الجزائر، تُستقبل قيادات ميليشيات ترتدي بزات عسكرية وتعيش على أوهام “التحرير” منذ نصف قرن. بين دولة تقترح أن تكون بوابة القارة، ونظام لا يعرف من أين يغلق الباب على فوضاه… يبدو أن مشكلتنا في المنطقة لم تعد أمنية فقط، بل بروتوكولية أيضًا.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: