بن كيران والميكروبات: آخر صيحات الفشل السياسي

بوشعيب البازي

في زمن الأوبئة السياسية، قد لا يكون غريباً أن يصعد أحدهم إلى منبر الخطابة لا ليقنع أو يحاجج، بل ليتفوّه بعبارات من عيار “الميكروبات” و”الحمير”، في وصفه للمغاربة الذين قالوا لا لأجندات خارجية ، ويا للمفاجأة، تجرؤوا على عدم التصفيق لكل نَفَس يخرج من فم الزعيم الأوحد لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بن كيران.

فالسيد الرئيس السابق للحكومة، الذي ما زال يحنّ لأيام “القيادة الحكيمة” ، قرر أخيراً أن يلقي علينا خطبة جمعة خارج المسجد، يوزّع فيها الشتائم، لأنه لم يهضم بعد أن المغاربة – شعباً وإعلاماً – لم يعودوا يهتفون باسمه كما كان يحدث في أيام “الربيع العاطفي”.

نعم، لقد تمرّد القطيع… وفضّل الاصطفاف إلى جانب ملكه وبلده وقضاياه الوطنية، رافضاً أن يُستغَلّ في مزايدات لا تسمن القضية الفلسطينية ولا تغنيها من الاحتلال. فبدلاً من أن يقرأ بن كيران في عيون المغاربة رسالة الوفاء للدولة والوطن، قرأ فيها خيانة شخصية لمشروعه السياسي الذي لفظه الناخبون منذ زمن، وراح ينتقم على طريقة “من ليس معي فهو ضد الله ورسوله!”

الرجل، الذي أمضى سنواته في رئاسة الحكومة وهو يتحدث أكثر مما يحكم، ويبرر أكثر مما يقرر، ويضحك أكثر مما يُنجز، يبدو اليوم مُحبطاً من حجم الوعي الذي أصبح عليه المواطن المغربي. فقد خاب ظنه، وهو الذي اعتقد أن موقعه السابق سيضمن له زعامة دائمة، وأن الشعب سيظل وفياً لحزبه لمجرد أنه “إسلامي المظهر”، حتى وإن اختل التوازن في المنطق والسياسات.

بن كيران، الذي اختزل يوماً الوطن في حزبه، بات اليوم يختزل خصومه في “ميكروبات” و”حمير”، وكأن الرجل فقد قاموس السياسة ولم يتبقّ له إلا دفتر الإهانات. فهل هذه هي أخلاق رجل يتفاخر بمرجعيته الدينية؟ أم أننا أمام نسخة مغربية من خطباء آخر الزمان الذين ينهون عن المنكر ويفعلونه بأعلى الصوت؟

أليس هذا هو نفسه الذي استفاد من سيارة الدولة حتى بعد خروجه من رئاسة الحكومة؟ والذي حصل على معاشا استثنائيا و سيارة شخصية للملك، منحها له مباشرة بعد إعفائه، فكيف يتطاول اليوم على المواطنين الذين يلتفون حول ملكهم ويدافعون عن مصالح وطنهم، بينما هو يتعامل مع فلسطين كصك غفران شخصي، يُلوّح به كلما شعر أن صورته بدأت تتآكل؟

القضية الفلسطينية لا تحتاج إلى خطابات غوغائية ولا إلى تذاكر مجانية للصعود إلى قطار البطولة الزائفة. المغاربة كانوا دائماً مع فلسطين، دون الحاجة إلى وساطة بن كيران أو تأشيرته الأخلاقية. لكنهم أيضاً شعب يعرف أن الأولويات الوطنية ليست خيانة، وأن الوقوف خلف ملكهم في قضايا السيادة ليس اصطفافاً أعمى، بل وعيٌ سياديٌ رشيد.

ولأننا نعيش في بلد تحترم فيه المؤسسات، لا يمكن أن نمر مرور الكرام على رجل سياسي ما يزال يتلقى معاشه من الدولة، ويصف شعبها بـ”الحمير”، فقط لأنهم لم يصفقوا له وهو يخطب متشنجاً كمن فقد البوصلة، وظن أن صراخ المايكروفون سيعيد له المجد المفقود.

في النهاية، لسنا بحاجة إلى تطهير الجسم الإعلامي أو السياسي من “الميكروبات”، بل إلى تطهير الحياة السياسية من عدوى التعالي والوصاية. فالشعب المغربي، صاحب السيادة والذكاء، لا يقبل أن يكون قطيعاً، لا لبن كيران ولا لغيره، وقد قال كلمته في الصناديق… وكررها على وسائل التواصل… وما زال يكررها بهدوء: كفى من الاستغلال، فلسطين لا تُستخدم لتبرير الفشل.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: