“القرعة الكبرى: عندما يتحوّل الكبش إلى مشروع دولة!”

بوشعيب البازي

في الجزائر، بلد النفط والغاز والمليون شهيد، أصبح شراء أضحية العيد عملية أعقد من الفوز بمنصب وزاري. هناك مواطنون اليوم لا يهمهم إن كانوا سيحصلون على سكن، وظيفة، أو حتى جواز سفر… بل فقط على “كَبش روماني” عبر قرعة وطنية أشبه بيا نصيب اللحوم!

ما بدأ كموسم ديني تُستحضر فيه معاني التضحية، تحوّل إلى موسم إذلال رسمي، تديره الدولة بكل “هيبتها”، بموكب شاحنات، وكاميرات، وتصفيق جماهيري، وكأن الأكباش قد حررت القدس، لا جاءت من مزارع إسبانية ورومانية، بعد أن عجزت أرض الجزائر الخصبة عن إنجاب كبش وطني كامل النمو.

النظام الذي فشل في تأمين الأضاحي من مزارعه، استنجد بخطط طوارئ لا تليق إلا بتدبير مجاعة، فوضع شروطًا تقارب إجراءات طلب الفيزا: بطاقة تعريف، بطاقة بنكية، إثبات قدرة شرائية، وتعهد بعدم التراجع، حتى لو كان الكبش مريضاً، أو نحيفاً، أو بلا قرون. المهم أن لا يقال إن الرئيس فشل في “توفير الكبش”.

أكثر من ذلك، فُرض سعر موحّد على الجميع: 40 ألف دينار للكبش، دون النظر إلى الوزن أو الجودة. تلك هي العدالة الاجتماعية بنكهة عسكرية: مساواة في الدفع، تمييز في الصوف والدهون. فمن فاز بقرعة “كبش سمين” كان الله في عونه، ومن فاز بكبش أشبه بفأر بري، فليحتسب الأجر… واللحم.

الإعلام الرسمي لم يخجل، بل قدّم عملية الاستيراد كإنجاز تاريخي، وأفرد لها مساحات تحليل، وتصريحات لمسؤولين، ولقاءات مع “سعداء الحظ”. وكأننا في سباق فضاء، لا في محاولة بائسة لتوفير لحوم مستوردة لشعب تمّ إخباره لسنوات أن الجزائر “تأكل مما تزرع”.

المفارقة الساخرة أن عدد رؤوس الأكباش المستوردة، الذي قُدّر رسمياً بمليون، لا يكفي نظرياً حتى لتغطية حاجيات ربع سكان العاصمة وحدها. لكن هذا لا يهم. فالحسابات عند السلطة لا تُقاس بالرؤوس، بل بالبروباغندا.

وفي خضم هذه “المعركة الوطنية”، ظهر شبان جزائريون على الحدود المغربية يلوّحون بـ”كبش من ورق” في وجه جيرانهم، وكأن الكبش أصبح رمز السيادة، وعَرضه في الكرتون دليل تفوق اقتصادي! في المقابل، اختار المغرب تعليق شعيرة الأضحية بالكامل، في خطوة واقعية تحترم عقل المواطن… لا تمثّل عليه.

الجزائر الرسمية، كالعادة، اختارت الرد بتفاهة أكبر: تنظيم مهرجان وطني للكبش المستورد، على أنغام التصفيق والتزاحم والطوابير، وفي الخلفية موسيقى البؤس العام. في بلد يُفترض أنه غني، أصبحت الأضحية “جائزة”، والطابور “موسماً”، والكرامة “ترفاً مؤجلاً”.

من يعتقد أن هذه الأزمة محصورة في الاقتصاد، فهو لم يرَ الصورة كاملة. ما يحدث هو انهيار في الفهم البدائي لمعنى الدولة، حين تفشل مؤسساتها في تدبير ملف بسيط، موسمي، ديني، وتضطر لتحويله إلى قرعة وطنية، واستعراض سياسي، وساحة لمزايدات إعلامية لا تُطعم لحماً ولا تحفظ ماء وجه.

في النهاية، نحن أمام مشهد سريالي: دولة عاجزة عن توفير أكباش، تنظم قرعة لتحديد “سعداء الحظ”، وتفرض شروطاً فوق الخيال، لتمنحهم حق شراء خروف على نفقتهم. إن كان هذا نجاحاً بنظر السلطة، فكيف يكون الفشل؟ وهل نحتاج حقًا إلى دليل جديد على أن “من لا يقدر على خروف.. لا يقدر على وطن”؟

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: