تيندوف: مأساة إنسانية صامتة تستوجب تحركاً دولياً عاجلاً

بوشعيب البازي

تيندوف. اسم يرتبط في الذاكرة الجماعية بمعاناة إنسانية ممتدة، لا تزال فصولها تُروى بصوت خافت، خلف ستار الصمت الدولي، وفي ظل تواطؤ مفضوح على الأراضي الجزائرية. فعلى مدار عقود، تحوّلت مخيمات تيندوف إلى فضاء مغلق، حيث يُحتجز آلاف الصحراويين في ظروف لا تليق بالكرامة الإنسانية، محرومين من أبسط حقوقهم، ويُمنعون من اتخاذ قرارهم المصيري بحرية.

تحت غطاء خطاب «النضال من أجل الاستقلال»، يمارس انفصاليو “البوليساريو”، بدعم مباشر من الجزائر، شكلاً من أشد أشكال الاحتجاز القسري، مقروناً بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. الحادث المأساوي الذي شهدته المخيمات في 9 أبريل 2025، والذي أسفر عن مقتل أحد المدنيين الصحراويين وإصابة تسعة آخرين برصاص الجيش الجزائري، يعكس بوضوح طبيعة المنظومة الأمنية المتشددة، واستعدادها للتضحية بالأرواح من أجل الإبقاء على واقع مأزوم.

اليوم، ترتفع أصوات من داخل المخيمات نفسها، تتحدى الخوف والصمت المفروض، لتدين قيادات الجبهة الانفصالية وتفضح ارتهانها الكامل للأجندة الجزائرية. جيل جديد من الصحراويين يُطالب بإنهاء حالة التوظيف السياسي لمأساتهم، وبالحق في العودة إلى وطنهم الأم، المغرب، في إطار حل واقعي يضمن لهم الكرامة والتنمية والمشاركة السياسية الفعلية.

منذ أكثر من خمسة عقود، والمملكة المغربية تنبّه المنتظم الدولي إلى خطورة الوضع الإنساني والقانوني في تيندوف، خاصة في ظل رفض الجزائر المتكرر السماح بإجراء إحصاء مستقل وشامل لسكان المخيمات، في خرق صارخ للقرارات المتكررة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وتؤكد التقارير الدولية، الصادرة عن منظمات مثل “هيومن رايتس ووتش” و”أمنيستي إنترناشيونال”، على تفشي الانتهاكات بحق النساء والأطفال، وتوثّق عمليات الاختلاس الممنهج للمساعدات الإنسانية الموجّهة لسكان المخيمات، من قِبل قيادات انفصالية تتعامل مع المعاناة كوسيلة لتعزيز نفوذها السياسي، في تجاهل تام لمصير الأبرياء.

وفي المقابل، يواصل المغرب جهوده الدبلوماسية والإنسانية دفاعاً عن هذه الفئة المحرومة، مجدداً التأكيد على أن مبادرة الحكم الذاتي، التي تقدم بها سنة 2007، تمثل الإطار الواقعي والعملي لإنهاء هذا النزاع الإقليمي المفتعل. المبادرة التي تحظى بدعم واسع على الصعيد الدولي، تضمن لسكان الأقاليم الجنوبية تسييراً ذاتياً ضمن السيادة الوطنية، في انسجام مع الخصوصيات الثقافية والاجتماعية للمنطقة.

إن تيندوف لم تكن يوماً ملاذاً إنسانياً، كما يُروّج في الخطاب الرسمي الجزائري، بل تحوّلت إلى فضاء معزول، تسوده مظاهر القمع والتفقير والإذلال. ومنذ سبعينيات القرن الماضي، وُلدت أجيال كاملة لا تعرف معنى الحرية، ولا تملك خيار تحديد مصيرها، ولا تزال رهينة منظومة تُغذّيها الحسابات السياسية الضيقة، لا المطالب العادلة للسكان المحتجزين.

إن صرخات الضحايا الهاربين من جحيم المخيمات، وشهاداتهم المروعة، تشكّل دليلاً دامغاً على واقع لا يُمكن السكوت عنه. والمجتمع الدولي، وتحديداً المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، مدعوّ اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تحمّل مسؤولياته القانونية والأخلاقية، عبر التدخل العاجل لوضع حد لهذه المأساة المنسية.

فالقضية لم تعد مجرّد ملف سياسي عالق، بل هي معركة ضمير عالمي. لا يمكن أن يستمر العالم في تجاهل مأساة إنسانية تجري على مرأى ومسمع من الجميع. لقد حان الوقت لإنهاء معاناة سكان تيندوف، وتمكينهم من ممارسة حقهم المشروع في العودة، والعيش بكرامة، والمشاركة في بناء مستقبل آمن ومستقر داخل وطنهم.

تيندوف ليست مجرد عنوان لأزمة ديبلوماسية، بل هي جرح نازف في جسد الإنسانية، ومسؤولية أخلاقية مشتركة يجب أن تُحرّك الضمائر وتستنهض الإرادات، قبل أن تتحول إلى وصمة عار على جبين العالم الحر.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: