“زواج على ورق الإقامة: قصة حب من نوع إداري”

بقلم: بوشعيب البازي

في بلجيكا، الحب لا يطرق الباب… بل يمر أولًا عبر مكاتب البلدية، ثم يتسلل إلى دواوين الهجرة. نحن لا نتحدث هنا عن قصة رومانسية تنتهي بخاتم في الإصبع وقبلة تحت المطر، بل عن فصل جديد من “الحيلة الشرعية” التي كتبها بعض مغاربة العالم بحبر البيروقراطية الأوروبية.

السيناريو بسيط، مكرّر، وناجح إلى حد الفضيحة: شاب مغربي يبحث عن “نصفه القانوني الآخر”، لا ليكمل دينه، بل ليكمل أوراقه. أما “الزوجة البلجيكية” – سواء كانت من أصل مغربي أو مواطنة محلية طيّبة – فتدخل العلاقة غالبًا بنيّة حسنة، قبل أن تصطدم بحقيقة أن الحب، في هذه القصة، جاء مرفقًا بخطة خمسية… تبدأ بالزواج، وتنتهي بالحصول على بطاقة الإقامة.

لكن القانون البلجيكي ليس ساذجًا تمامًا، فهو يشترط على الزوجين العيش معًا خمس سنوات قبل التفكير في “وثائق الاقامة ”. وهنا يبدأ الابتكار المغربي: لماذا ننتظر خمس سنوات إذا كان بالإمكان تسريع العملية عبر طفل بريء يُستدعى كشاهد غير ناطق على زواج لم يعرف الدفء أبدًا؟

نعم، أصبح الطفل وسيلة ضغط. يُنجب لا من أجل تكوين أسرة، بل كـ”وثيقة داعمة” تُرفق بطلب الإقامة. طفل لا يُولد عن حب، بل عن “تكتيك”، يُستخدم أولًا كجسر، ثم يُترك للضياع بين أبوين لم يكن بينهما سوى استغلال متبادل.

وما إن تُصدر الإدارة بطاقتها السحرية، حتى تبدأ فصول المأساة: الانفصال، الشكاوى، النفقة، واقتسام الممتلكات، وكلها مضمونة بالقانون. فحتى لو اكتشفت الزوجة – أو الزوج – أنها كانت ضحية نصب عاطفي مزوّر، فإن القانون البلجيكي يعامل الجميع كراشدين وقعوا على عقودهم بكامل إرادتهم… وكامل حسن نيتهم.

النتيجة؟ زوج – أو زوجة – يعيش تعاسة حقيقية، ربما ينام في سيارته، أو يتنقل بين الفنادق الرخيصة، بينما “شريك الحياة” يواصل حياته الجديدة برخصة إقامة وطفل يستخدمه كدرع قانوني.

المؤسف أن هذه الظاهرة تسيء إلى آلاف الأزواج الحقيقيين، الذين تلاقت قلوبهم فعلًا رغم اختلاف الجنسيات والظروف. لكنها أيضًا تكشف عن ثغرات قانونية تستحق المراجعة، وعن غياب وعي مجتمعي بخطورة تحويل الزواج إلى مشروع استثماري، والطفل إلى وسيلة ضغط بملامح بريئة.

ربما حان الوقت لطرح السؤال الأخلاقي قبل القانوني: كم من الضحايا يجب أن يُسجل قبل أن نعترف أن “زواج المصلحة”… لا يليق لا بالحياة، ولا بالحب، ولا حتى بالإقامة؟

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: