“الدبلوماسية البرلمانية: عندما تحاول المؤسسة التشريعية أن ترتدي بذلة الخارجية… دون أن تنسى ربطة العنق الدستورية”

بقلم: بوشعيب البازي

في زمن التحولات الجيوسياسية المتسارعة، حيث تتحول الدول من الدفاع عن حدودها إلى التسويق لنفسها في أسواق العلاقات الدولية، وجد البرلمان المغربي نفسه، ذات مساء أكاديمي بكلية أيت ملول، مدعواً للانضمام إلى نادي الدبلوماسيين، ولكن على طريقته الخاصة… لا جوازات دبلوماسية ولا تأشيرات فاخرة، فقط بعض مجموعات الصداقة، ومذكرات تفاهم، وكم هائل من النوايا الحسنة.

الندوة التي التأمت حول كتاب الدكتور محمد لكريني لم تكن مجرد عرض أكاديمي بارد، بل كانت أقرب إلى محكمة فكرية للدبلوماسية البرلمانية، تلك الآلة التي طالتها الكثير من الرتوش، ولم تسعفها بعد الميكانيزمات الكافية لتسير بسرعة قضايا الصحراء، أو على الأقل لتُسمع صوتها في زحمة الضجيج الإقليمي الذي تصنعه أبواق النظام الجزائري.

فبينما تعتمد الجزائر في تصريف أزماتها على “كتيبة البوليساريو” كحزمة ضغط، يحاول المغرب – بحكمة مشهودة – أن يُظهر للعالم أن الصحراء ليست فقط خريطة مرسومة، بل رؤية متكاملة: روحية، اقتصادية، أمنية، وأيضاً برلمانية… حتى وإن بدا أن بعض النواب لا يميزون بين ميثاق الاتحاد الإفريقي ودليل استخدام تطبيق زووم.

وقد ذكّرنا الأستاذ محمد الشيخ بانن أن الحق في التنمية هو المفتاح لفهم النزاع، وأن الحل يكمن في إنتاج نخب سياسية ترفع الرأس حين تتحدث، لا تلك التي تهزه في النوم تحت قبة البرلمان. بينما طرح الأستاذ رضا الفلاح سؤالاً وجودياً أقلق القاعة: من يُقيّم فعلياً تأثير الدبلوماسية البرلمانية؟ أو بصيغة أكثر وضوحاً: هل نشتري تذاكر سفر أم نشتري مواقف دول؟

بالمقابل، لا يمكن إنكار أن المغرب، بفضل الرؤية الملكية، بات يصنع اختراقات دبلوماسية من العيار الثقيل في العمق الإفريقي، جعلت من الأقاليم الجنوبية وجهة دبلوماسية لا تقل عن الرباط. ففتح القنصليات بات عملة سيادية، وصارت مدن كالداخلة والعيون عناوين لتصحيح خرائط كثيرة – جغرافية وسياسية.

أما الأستاذ زهير لعميم، فلم تفته فرصة ربط رمزية غلاف الكتاب بنظرية سيميائية خالصة، تجعل من علم الألوان مفتاحاً لفهم قضية الصحراء… وربما في المستقبل، قد نجد برلمانياً يُدافع عن الوحدة الترابية برسمة بيانية ملونة.

ومع ذلك، تبقى الحقيقة أكثر بساطة وعمقاً: المغرب، بنضج مؤسساته وهدوء دبلوماسيته، قرر أن يواجه الخصوم ليس فقط في قاعات الأمم المتحدة، بل على كل الجبهات… بما فيها جبهة البرلمان، التي تحتاج فقط إلى قليل من “الكاريزما”، وبعض التدريب، ومحرّك فعلي لربط الأقوال بالأفعال.

لأن الترافع من أجل الصحراء لا يحتاج إلى طقم أنيق وصورة في مطار، بل إلى إلمام حقيقي بالقانون الدولي، وشبكات تأثير مدروسة، واستراتيجية تمتد أبعد من نشر صور مع نواب لا يعرفون حتى موقع المغرب على الخريطة.

الدبلوماسية البرلمانية، إذن، ليست ترفاً تشريعياً، بل ورقة جدية تحتاج فقط إلى إخراج أقل برتوكولية، وأكثر واقعية. فالقضية الوطنية لا تحتمل الانتظار، والدفاع عنها لم يعد اختصاصاً حصرياً لوزارة الشؤون الخارجية، بل هو مسؤولية تشاركية… شرط أن يُتقن الفاعلون فن الترافع، لا فن الخطابة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: