الرباط – ساهم الربط الكهربائي الثنائي بين المغرب وإسبانيا، مرة أخرى، في تأكيد جدواه الإستراتيجية وأهميته في تعزيز مرونة أنظمة الطاقة على ضفتي البحر الأبيض المتوسط، وذلك عقب الانقطاع الواسع للكهرباء الذي شهدته إسبانيا، يوم الاثنين، والذي اعتُبر من أكثر الانقطاعات حدة خلال العقود الأخيرة.
وأوضحت السلطات الإسبانية أن الحادث الطارئ أدى إلى فقدان نحو 15 جيغاواط من القدرة الكهربائية، ما أثر على قطاعات حيوية، من بينها النقل والرعاية الصحية والاتصالات. وفي إطار تفعيل آليات الدعم المشترك، تم اللجوء بشكل فوري إلى شبكات الربط الكهربائي الإقليمية، حيث أسهمت التدفقات الكهربائية الواردة من المغرب وفرنسا في استعادة جزء كبير من الإمدادات بشكل سريع، ما خفف من تداعيات الأزمة.
وفي هذا السياق، ثمّن رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، خلال تصريح رسمي، مساهمة كل من المغرب وفرنسا في تعزيز استقرار الشبكة الوطنية خلال هذه المرحلة الحرجة، مشيراً إلى أن هذه المساهمة تعكس روح التضامن وتعاون الجوار في إدارة المخاطر العابرة للحدود.
من جهته، أكد الأستاذ محمد لكريني، المتخصص في العلاقات الدولية، أن الاستجابة المغربية جاءت في إطار شراكة إستراتيجية قائمة بين الطرفين، وتعكس عمق التعاون في قطاع الطاقة، خاصة في ظل وجود بنية تحتية مشتركة تتمثل في الربط الكهربائي عبر مضيق جبل طارق، الذي تبلغ طاقته التبادلية حوالي 1400 ميغاواط.
ويُعد هذا الربط، المعروف بمشروع “ريمو”، من أبرز النماذج الإقليمية للتكامل في البنية الطاقية، إذ أتاح إمكانية فورية لتبادل الكهرباء في ظرف طارئ، وهو ما يعكس نجاعة التخطيط المسبق لتطوير شبكات الربط العابر للحدود.
وتتزامن هذه التطورات مع تحقيق تقدم نوعي في مشاريع الطاقة المتجددة في المغرب، ما يعزز مكانته كمحور إقليمي في مجال الطاقة النظيفة. ويُرتقب أن تشهد منظومة الربط الكهربائي المغربي-الإسباني توسعات إضافية، من خلال تعزيز الطاقة الاستيعابية للشبكة الحالية، وإنشاء كابل ثالث جديد بين طنجة وشبه الجزيرة الإيبيرية، إلى جانب خط مزمع نحو مدينة سبتة.
وفي ظل تزايد التحديات المرتبطة بالأمن السيبراني للطاقة، فتحت السلطات الإسبانية تحقيقاً لتحديد أسباب الانقطاع، مشيرة إلى احتمال وجود نشاط غير معتاد رُصد قبل أيام من الحادث. وأكد المركز الوطني للاستخبارات في إسبانيا أنه لم يصدر حتى الآن ما يربط المغرب بالحادث، وأن التحقيقات لا تزال جارية دون إصدار استنتاجات نهائية.
في المقابل، يُجمع المراقبون على أن التعاون الطاقي بين المغرب وإسبانيا يتخطى الأبعاد التقنية ليشكل نموذجاً في التكامل الإقليمي، خاصة في ما يتعلق بالانتقال نحو الطاقات النظيفة، على غرار مشاريع الهيدروجين الأخضر، التي انخرط فيها البلدان بشكل مشترك ضمن إطار جمعيات المتوسط للطاقة.
وفي هذا الإطار، تم توقيع مذكرة تفاهم في سبتمبر الماضي بين الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء بالمغرب واللجنة الوطنية للأسواق والمنافسة الإسبانية، تهدف إلى تعزيز التنسيق التنظيمي وتبادل الخبرات في مجال الطاقة. كما يتقاسم الطرفان رئاسة فريق العمل المتخصص في الهيدروجين الأخضر، ما يعزز موقعهما ضمن التوجهات الطاقية المستقبلية في المنطقة الأورو-متوسطية.
ويعكس هذا التعاون المستمر إرادة مشتركة لتطوير نموذج إقليمي للأمن الطاقي المستدام، يستند إلى التضامن، واحترام السيادة، والتكامل في الموارد، بما يدعم الاستقرار والازدهار المتبادل بين ضفتي المتوسط.