في خرجة إعلامية جديدة تضاف إلى سجله الزاخر بالتصريحات الغريبة، خرج الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ليزفّ للعالم “خبراً سعيداً”: إسبانيا، حسب تعبيره، “تراجعت” عن دعمها لمغربية الصحراء، مصححةً ما وصفه بـ”الخطأ” الذي ارتكبته سنة 2022. وعلى عادة الأخبار الجيدة التي لا يسمع بها أحد سوى مطلقها، سارع الإعلام الإسباني، ووزارة الخارجية الإسبانية نفسها، إلى نفي هذه المزاعم وتذكير الجميع بأن موقف مدريد ثابت لا تهزه تمنيات ولا يقنعه ضغط غازي أو استجداء ديبلوماسي.
وزارة الخارجية الإسبانية، التي لم تتلق على ما يبدو النسخة الجزائرية من الرواية، أكدت أن الموقف المعلن في أبريل 2022، والداعم لمقترح الحكم الذاتي المغربي، لا يزال ساري المفعول، وأن العلاقات مع الرباط تسير من حسن إلى أحسن، في إطار شراكة استراتيجية لم يعد فيها متسع لتقلبات الجوار الشرقي.
لكن الرئيس تبون، الذي يبدو أنه يقرأ التطورات السياسية من بلاغات وكالة الأنباء الجزائرية، أصر على أن مدريد خضعت لضغط اقتصادي جزائري مقداره “سبعة مليارات أورو”، وهي رواية تصلح لفيلم وثائقي من إنتاج القناة العمومية، لا لسياسة دول تُبنى على المصالح والمواقف الواضحة.
الغريب في الأمر أن الجزائر هي نفسها من بادر إلى تجميد معاهدة الصداقة مع إسبانيا، وأوقفت التبادل التجاري معها، ثم عادت بعد حين لتتحسر على نتائج قرارها، وتسعى لإعادة تطبيع العلاقات، لكن دون أن تقبل بأن لإسبانيا أيضاً سيادة وحرية اتخاذ القرار. أما الاتحاد الأوروبي، فكان منشغلاً طيلة هذه الفترة بالتذكير أن العبث باتفاقيات الشراكة مع دولة عضو فيه لا يُعد “موقفًا نضاليًا”، بل خرقًا يجب معالجته.
وتبدو محاولات الجزائر لإقناع الرأي العام الداخلي بأن هناك “نصراً ديبلوماسياً” قادماً أو متحققاً، أقرب إلى التمني منه إلى التحليل الواقعي. فإسبانيا لم تغير موقفها، ولا حتى نبرتها، بل أكدت مرة أخرى، عبر وزير خارجيتها خوسيه مانويل ألباريس، أنها ملتزمة بدعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية، التي وصفتها بـ”الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية” لحل النزاع.
أما في الرباط، فالأجواء هادئة، مطمئنة، ومليئة بالاتفاقيات والمشاريع المشتركة. وقد قالها بوريطة صراحة: “هناك من يريد إعادة العلاقات المغربية الإسبانية إلى زمن الخلاف والمزايدات، لكننا نشتغل على التأسيس لما بعد ذلك الزمن”.
والواقع أن الجزائر، التي تعاني عزلة في جوارها وصداعاً ديبلوماسياً مع باريس ومناوشات غير مكتملة مع تونس، لم يبق لها سوى مدريد لتمارس معها “ديبلوماسية الإسقاط النفسي”، فتمنّي النفس بمواقف لم تحدث، وتبني خطابات على قرارات لم تتخذ.
ولأن تيارات “التصحيح الثوري” أصبحت تُقاس في خطب الجمعة وتصريحات الثلاثاء، يبدو أن الجزائر، بدل أن تبحث عن منافذ جديدة للتعاون، فضّلت الغرق في نظريات “التراجع الإسباني” و”الضغط الاقتصادي”، وهي روايات تصلح للبث الداخلي، لا للسياسة الخارجية.