الجزائر تُكثّف مناوراتها العسكرية على حدودها الجنوبية الشرقية وسط توتر إقليمي متصاعد

حنان الفاتحي

أشرف الفريق أول سعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الجزائري، على تنفيذ مناورات عسكرية ميدانية بالذخيرة الحية في الناحية العسكرية الرابعة، التي تشمل المناطق الحدودية مع ليبيا. وتهدف هذه المناورات إلى محاكاة ظروف الحرب الحقيقية، في وقت تشهد فيه الجهة الليبية المقابلة تحركات لوحدات من الجيش الليبي، ما يعكس تصاعداً في مؤشرات التوتر الأمني بالمنطقة.

تتزامن هذه التحركات مع عرض قانون التعبئة العامة أمام البرلمان الجزائري، وهو التشريع الذي يمنح رئيس الجمهورية صلاحيات موسعة في إدارة الدولة كما لو كانت في حالة حرب فعلية. وقد أثار هذا التطور تساؤلات حول الخلفيات الحقيقية لهذا الاستنفار العسكري، وإن كان يستند إلى تهديدات فعلية، أم أنه تعبير عن هواجس داخلية تترجمها القيادة السياسية والعسكرية في صورة استعدادات ميدانية غير مبررة بواقع ملموس.

وتبدي السلطات الجزائرية منذ فترة خطاباً حادّاً يتحدث عن “مؤامرات خارجية” تستهدف أمن واستقرار البلاد، وهو ما يعكس تحوّلاً نحو نهج تعبوي دائم، يجد ترجمته في تشريعات ومناورات ميدانية، تعزز مناخ الترقب والقلق في الداخل، وتحد من هامش النقد الشعبي للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، رغم وفرة العائدات النفطية والغازية.

ويرى مراقبون أن هذا التوجه الأمني لا يرتبط فقط بتطورات الأوضاع في دول الجوار، بل يعكس أيضاً سياسة ممنهجة تسعى إلى تحويل الأنظار عن إخفاقات الحكومة في تحقيق التنمية وتحسين معيشة المواطنين. كما يُلاحظ أن التصعيد الدبلوماسي والعسكري يتنقل بين ملفات متعددة (من المغرب إلى مالي وليبيا، فإسبانيا وفرنسا)، في حركة دائرية تُخفي حالة من القلق البنيوي داخل هياكل النظام الجزائري.

وتُعاب على السياسة الخارجية الجزائرية استمراريتها في توظيف سردية “الثورة التحريرية” ونمط التفكير المؤدلج من حقبة الستينات، على الرغم من التغيرات العميقة التي تشهدها المنطقة، خاصة مع بروز جيل جديد من القادة في دول الساحل (مالي، النيجر، بوركينا فاسو) يتمسكون بسيادتهم الوطنية، ويرفضون التدخلات الخارجية أو فرض الوصاية عليهم.

وفي حين تبنّى المغرب مقاربة تشاركية تقوم على دعم هذه الدول في مساراتها التنموية والانفتاح على الأطلسي، قابلت الجزائر تلك التحولات بمواقف متشنجة، خاصة تجاه مالي، حيث دعمت بعض الحركات الانفصالية، وهو ما فُسّر على أنه محاولة لفرض نفوذها على المشهد السياسي الداخلي لجارتها الجنوبية، مما دفع باماكو إلى توسيع شراكاتها نحو موسكو وأنقرة.

ويرى متابعون أن هذا الانغلاق الجزائري قابله انفتاح استراتيجي مدروس من قبل مؤسسات عسكرية في دول أخرى، مثل مصر، التي تعاملت مع التهديدات الإقليمية بمنهج واقعي، رافضة الانجرار إلى مواجهات مباشرة رغم تعدد الأزمات في محيطها، من ليبيا إلى السودان، مرورا بحوض النيل وغزة.

كما أن قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر أعاد ترتيب أولوياته بعد فشل محاولته السيطرة على طرابلس، مفضلاً العودة إلى معقله في الشرق وبناء علاقات أكثر اتزاناً، بما في ذلك التعاون مع تركيا، ما يعكس إدراكه لتعقيدات المشهد الليبي وضرورة التكيف معه.

وفي هذا السياق، عبّرت دوائر جزائرية عن قلقها من “التحرك المريب” لوحدات تابعة للجيش الليبي قرب الحدود، واتهمت صدام حفتر، قائد القوات البرية في الجيش الوطني الليبي، بالتنسيق مع أنقرة لإنشاء قاعدة عسكرية في مدينة غات، ما اعتبرته الجزائر تهديداً مباشراً لأمنها القومي.

وخلال كلمته أمام القيادات العسكرية بالناحية العسكرية الرابعة، شدد الفريق أول شنقريحة على أن “سيادة الجزائر واستقرارها خط أحمر”، مؤكداً على ضرورة رفع درجات الجاهزية الميدانية، وتعزيز اليقظة على طول الشريط الحدودي الشرقي والجنوبي، الذي وصفه بالحساس أمنياً.

وقد أعلنت وزارة الدفاع الوطني عن تنفيذ تمرين تكتيكي بالذخيرة الحية، يهدف إلى تقييم قدرات الوحدات القتالية في تنفيذ مهامها العملياتية، والتحكم في منظومات الأسلحة الحديثة، وتطوير مهارات القادة والأركان في مجالات التخطيط والقيادة والتحكم، بما يضعهم في ظروف مشابهة للمعركة الفعلية.

ويأتي هذا التمرين في ظل تقارير تتحدث عن توجه استراتيجي روسي جديد في منطقة الساحل، يمتد من شرق ليبيا إلى مالي مروراً بالنيجر، وهو ما يفرض على الجزائر إعادة النظر في مقاربتها الأمنية والدبلوماسية، بما يتناسب مع التحديات والتحولات التي تعرفها المنطقة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: