حين تتحول “ثقافة التيك توك” إلى أداة لتضليل العقول

بوشعيب البازي

في زمن الانبهار بمنصات التواصل السطحي، ظهر جيل جديد من “الخبراء”، الذين يعرفون كل شيء عن آخر صيحات تيك توك، ويضحكون باستهزاء مفرط على ما يسمونه “دقة المغاربة”، كأنهم أوصياء على الفهم والإدراك، وكأن الشعب برمته قطيع من السذج لا يفقهون شيئًا مما يحاك من حولهم.

إن هؤلاء الذين يتقنون حركات السخرية المصطنعة ويبرعون في توزيع الأحكام الجاهزة، ينسون أو يتناسون أن جزءًا كبيرًا من محتوى هذه المنصات ليس بريئًا كما يبدو، بل يخفي في طياته مخططات أوسع لتفتيت الوعي وتشتيت الانتباه.

والدليل القاطع جاء، للأسف لا عن طريق استنتاجاتهم “الفذة”، بل باعتقال العميل الجزائري المعروف بـ”دوكان”، الذي تم ضبطه في مدينة فاس قبل ترحيله إلى بلاده. هذه القضية كشفت عما كان مستورًا: شبكات خفية تشتغل بذكاء لإعادة توجيه الرأي العام، مستخدمة أدوات تيك توك وغيرها من المنصات الرقمية لتدريب عملائها على هندسة العقول.

لقد أظهرت هذه الواقعة أن هناك من دُرِّب بعناية على كيفية طرح الأسئلة وكيفية انتقاء الإجابات، ليس من أجل إثراء النقاش أو تنمية التفكير النقدي، بل لتعويم القضايا الحقيقية وسط ركام من التفاهة، وتحويل المواطن إلى مستهلك شغوف لكل ما هو تافه ومُضلل.

هؤلاء “العارفون”، الذين يتفاخرون بمعرفتهم الدقيقة لخبايا تيك توك بينما يوزعون السخرية الرخيصة على الآخرين، لا يدركون – أو ربما يدركون جيداً – أنهم أنفسهم مجرد أدوات في لعبة أكبر منهم. لعبة تهدف إلى إبعاد العقول عن التفكير الحر، ودفعها إلى اللهو في دوائر مفرغة من المواضيع التافهة، بينما الواقع يشتعل من حولهم بالأحداث الخطيرة.

كم يبدو مشهداً عبثياً: ضحكات مصطنعة، تهكم على البسطاء، واعتقاد عميق بأن من يعرف آخر تحديات تيك توك قد حاز مفاتيح الفهم العميق للعالم. في حين أن من يتسلحون بالمعرفة الحقيقية والفهم النقدي يقفون، ربما بحزن أو بسخرية مُرّة، يتأملون هذا المشهد الذي يعكس انحدارًا مدروسًا ومقصودًا للوعي العام.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: