مؤتمر العدالة والتنمية التاسع: بنكيران يحاول إنقاذ المركب الغارق بملعقة

بوشعيب البازي

ها قد اجتمع حزب العدالة والتنمية مرة أخرى في مؤتمر وطني تاسع، ليس للاحتفال بالانتصارات، بل للبحث عن إجابة للسؤال الوجودي: “من سرق مجدنا؟”. الغائب الأكبر؟ ليس فقط بعض القيادات، بل كرامة سياسية كاملة مفقودة منذ انتخابات 2021، عندما انتقل الحزب من مارد سياسي إلى فريق “خماسي” بالكاد يكمل مباراة سياسية.

عبدالإله بنكيران، الزعيم الذي يعشق المفاجآت، وجد أخيرًا ملعبًا شبه فارغ ليعيد ترتيب الجنود. غياب الأسماء الوازنة (أو ما تبقى منها)، مثل عزيز رباح والمصطفى الرميد وسعد الدين العثماني، كان بمثابة هدية من القدر لبنكيران كي يعود متربعًا على العرش… ولو فوق أنقاض حزب.

بنكيران لم يعلن ترشحه ولا انسحابه، بل تركنا في حالة “تعليق سياسي”، في مشهد عبثي يشبه انتظار قطار لا يأتي في محطة بلا مكبرات صوت. ومع ذلك، كل الإشارات تؤكد أن الرجل ماضٍ لاستلام الدفة، في سفينة مثقوبة تتقاذفها أمواج الانقسامات والحنين إلى زمن المعجزات.

الباحث هشام عميري لم يجامل: إعادة الثقة في بنكيران مرتبطة بـ”ظاهرة الشخصنة”، أي أن الحزب تحول إلى فرع من فروع نادي المعجبين بالقائد المُلهم، وليس هيئة سياسية تدير شؤون أمة. ومع ذلك، لا بأس، طالما أن باقي “الوجوه المؤهلة” بالكاد تؤهل للفوز بجائزة العزاء، لا الانتخابات.

مال الحزب؟ لا مال. صورة الحزب؟ مشوهة. ومعنوياته؟ في غرفة الإنعاش. ومع ذلك، المؤتمر انعقد. المهم هو “الفرجة السياسية”، حتى لو كان الدخول بالمجان والخروج بحسرة.

طبعا، كنوع من ربط المحلي بالعالمي، استدعى الحزب وفدًا من حماس، لكن الحضور اقتصر على تقنية “زووم”، لأن حتى التنظيمات في الخارج فهمت أن الحضور الجسدي لمؤتمرات الأحزاب المغربية مخاطرة سياسية لا ضرورة لها.

ثم جاءت لحظة الاستعراض الوطني الكبير: الحديث عن فلسطين. نعم، لأن ما الذي يوحّد الصفوف الممزقة أكثر من كلمة “القدس” و”المرابطين”؟ لا شيء يوحّد مثل قضايا بعيدة، تُنسينا أن الحزب نفسه صار بلا بوصلة، بلا اتجاه، وبلا كتيبة.

أما جامع المعتصم رئيس المؤتمر، فبدا كأنه يسرد خطبة عزاء على “ديمقراطية العدالة والتنمية”، مؤكداً أن الانتخابات الداخلية ستجري رغم كل شيء، حتى لو صوّت الأعضاء على أنفسهم أمام المرايا.

وعن الحضور؟ حضر بعض الضيوف لإثبات حسن الجوار السياسي، وغاب آخرون ليؤكدوا أن الخصومة ما زالت قائمة بلا هوادة. والأجمل؟ أن نبيل بنعبد الله، من حزب التقدم والاشتراكية، جاء ليذكر الجميع أن اليسار واليمين يمكن أن يتعايشا… على طاولة واحدة، بشرط أن تكون فارغة إلا من النوايا الحسنة والكلمات الكبيرة.

بالمحصلة، حزب العدالة والتنمية دخل مؤتمره مثل الذي يبحث عن إبرة في كومة قش… لكن في الظلام. أما بنكيران، فقد عاد ليثبت أن الزعامة في المغرب لا تموت… بل تعود دائماً مع كل كارثة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: