المغرب يضغط على زر السرعة القصوى: قطار المستقبل ينطلق من القنيطرة إلى مراكش

بوشعيب البازي

قطار “البراق 2”… المغرب يواصل الجري بسرعة نحو المستقبل

في الوقت الذي لا تزال فيه دول كثيرة تتجادل حول صباغة الأرصفة، قرر المغرب أن يُطلق مشروعًا جديدًا يكرّس مكانته كقوة صاعدة في مجال النقل المستدام: القطار فائق السرعة الذي سيربط بين القنيطرة ومراكش. الملك محمد السادس أعطى إشارة الانطلاق من محطة الرباط – أكدال، كأنما يقول: “نحن لا ننتظر المستقبل، نحن نركبه.”

هذا المشروع الجديد – الذي يمتد على حوالي 430 كيلومترا – ليس مجرد سكة حديدية، بل سكة نحو اقتصاد أقوى، سياحة أنشط، ومدن أكثر ترابطًا. تكلفته؟ حوالي 10 مليارات دولار. لكن بالنسبة للمغرب، الاستثمار في البنية التحتية ليس كلفة، بل خطوة محسوبة نحو التنمية الشاملة.

القطار الجديد هو الشقيق الأصغر لـ”البراق”، أول قطار فائق السرعة في أفريقيا، الذي انطلق سنة 2018 بين طنجة والدار البيضاء. وها هو المغرب يعود بخط جديد يربط قلبه الساحلي من الرباط إلى مراكش، مع محطات بمطارات وملاعب، لأن المستقبل لا ينتظر المتأخرين.

ليس مجرد قطار… بل منظومة تنموية

لكن القصة لا تنتهي عند مدّ السكة. فالمشروع جزء من خطة طموحة تستثمر 96 مليار درهم، تشمل تجديد أسطول القطارات (168 قطارًا جديدًا) وتحسين النقل الحضري في الدار البيضاء، الرباط ومراكش. بمعنى آخر: المغرب لا يبني قطارًا، بل يعيد تشكيل شبكة تنقل حضرية متطورة وذكية.

رشيد ساري، رئيس المركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة، يرى أن هذا المشروع سيغيّر قواعد اللعبة اقتصاديًا. فهو ليس فقط وسيلة أسرع للتنقل، بل أداة لتحريك عجلة الاستثمار، السياحة، والصناعة. أضف إلى ذلك أن تشغيل القطارات بالهيدروجين الأخضر سيساهم في الحفاظ على البيئة – وهي خطوة ذكية في زمن الكوارث المناخية.

رحلة أسرع… وخدمة أذكى

القطار الجديد سيقلّص المسافات بشكل ثوري. ساعة واحدة فقط بين طنجة والرباط، وساعتان و40 دقيقة بين طنجة ومراكش. الوصول إلى مطار محمد الخامس من الرباط؟ فقط 35 دقيقة. كل هذا، بجودة خدمة عالية، ومرافق مصمّمة على أحدث المعايير الأوروبية.

بشراكة مع شركة “ألستوم” الفرنسية، سيجهز الخط بمعدات متطورة تضمن السلامة والراحة، ما يجعل التنقل تجربة حضرية راقية لا مجرد انتقال من مدينة إلى أخرى.

ما بعد القطار… قطارات القرب والمناطق الصناعية

المشروع لا يتوقف عند الخط السريع. فهناك قطارات “القرب الحضري”، التي ستخدم آلاف المواطنين يوميًا بين المدن الكبرى. كما سيرتبط الخط الجديد بميناء طنجة المتوسط، لتسهيل حركة البضائع وربط المناطق الصناعية الكبرى بالموانئ الدولية.

المدير العام المساعد للمكتب الوطني للسكك الحديدية، محمد السموني، قالها ببساطة: المغرب بات نموذجًا يُحتذى به في القارة الأفريقية. بل أكثر من ذلك، أصبح مصدر إلهام للدول الصاعدة في كيفية الجمع بين التكنولوجيا، الاستدامة، والخدمة العمومية.

يبدو أن المغرب لا يريد فقط اللحاق بالركب… بل يريد أن يكون القاطرة التي تجرّ القارة نحو المستقبل

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: