المغاربة وتعدد اللغات: حين تتحدث كل اللغات… إلا لغتك!

بوشعيب البازي

في المغرب، نحن شعب عالمي بامتياز. نتحدث الفرنسية بطلاقة حين نتحدث عن الأسعار، والإسبانية حين نحلم بالشواطئ، والإنجليزية حين نطلب قهوة “تو غو”. بل وأكثر من ذلك، نملك شجاعة لغوية نادرة: نستعمل كلمات بلغات أجنبية حتى لو لم نفهم معناها، فقط لكي نظهر أننا “أبناء العالم”.

لكن الغريب في هذه القصة أن هذا الانفتاح العظيم لا يشمل شيئاً بسيطاً جداً: لغات البلاد الأصلية. مثلاً، الأمازيغية، التي ما تزال – مع كامل الأسف – غريبة على ألسنة كثير من المغاربة، رغم أنها ليست ضيفة على هذه الأرض… بل هي أمّها وأبوها وجذورها وفروعها.

وهنا السؤال الذي يفرض نفسه: هل تجاهل لغات الأرض التي نعيش عليها نوع من الرفد العنصري الخفي؟ أليس كل مغربي حين يتجاهل الأمازيغية، يتجاهل جزءاً أصيلاً من هويته هو، قبل أن يكون تجاهلاً للآخرين؟

الأمازيغية، بالمناسبة، ليست فقط لغة، إنها هوية مغربية أصيلة، ليست حكراً على الأمازيغ وحدهم، بل ملك لجميع المغاربة بدون استثناء. فحين يلبس المغرب جلبابه التراثي ويتفاخر أمام العالم بثقافته، فهو يلبس لباس أجداده الأمازيغ، ويرقص على أنغام “أحواش” و”أحيدوس”، ويتزين بالفضة المصنوعة بأنامل نساء أمازيغيات حكيمات، هنّ تاج المجتمع المغربي.

المرأة الأمازيغية، هذه “تامغارت”، ليست مجرد ربة بيت، بل وزيرة مالية ومخازنية ومديرة موارد بشرية بامتياز. المفاتيح في يدها، والقرار لها، ومن دون توقيعها لا يشتري أحد لا نعجة ولا زرعاً.

حتى الملك الراحل الحسن الثاني، رحمه الله، حين تكلم عن هوية المغاربة، لم يختبئ خلف اللغات المستوردة، بل دعا إلى التحدث بالدارجة والأمازيغية والفصحى، معتبراً إياها امتداداً طبيعياً لثقافتنا، بدلاً من اللجوء إلى الفرنسية والإسبانية كما يفعل بعض “المتحضرين جداً”.

والعجيب أكثر أن تجد ابنة الجنوب المغربي الأمازيغي، نجاة فالو بلقاسم، وزيرة في فرنسا، تتحدث عن التعليم والمساواة بكل اللغات، بينما كثير من المغاربة يجهلون حتى كيف يقولون “أهلاً وسهلاً” بلغتهم الأمازيغية الأصلية.

باختصار: نحن نتقن فن الانفتاح… على كل شيء، إلا على أنفسنا. نُفضّل أن نكون مواطنين عالميين قبل أن نكون مواطنين مغاربة، ونتباهى بجهلنا بهويتنا وكأن الهوية عبء يجب التخلص منه.

فلعل أول خطوة نحو “التقدم الحقيقي” هي أن نتعلم أن نكون مغاربة… أولاً!

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: