جمهورية التيك توكستان: حيث الزغاريد للموالين والمشانق للمعارضين

بوشعيب البازي

تيك توك يا مهبط الوحي… أو كيف تتحول من بطل قومي إلى خائن عميل في 15 ثانية!

في بلادٍ كانت الأمثال الشعبية تقول فيها “اللي دار راسو في النخالة ينقّبوه الدجاج”، جاء التيك توك وأضاف تعديلًا بسيطًا: “واللي دخل التيك توك، ينقّبوه القطيع.”

أهلاً بك في أرض التيك توك، حيث العدالة تُقاس بعدد المتابعين، والمصداقية تُمنح لمن صوّت له التعليقات أكثر، و”الحقيقة” تُولد دائمًا من رحم ترندات الرقص والبكاء الصناعي.

في هذه المنصة العجيبة، لا تحتاج إلى علم ولا خلق ولا منطق. فقط انضم إلى القبيلة الصحيحة، صفّق جيدًا، شارك فيديوهات الزعيم، واشتم من يختلف معه. وقتها، ستحصل على “ختم التيك توك”، وستدخل الترند بزغاريد افتراضية وأغانٍ وطنية حتى يخال لك أن الوطن أصبح في جيب أحد المؤثرين.

أما إن سولت لك نفسك يومًا أن تقول: “آه، ولكن…”، فقد وقّعت على شهادة وفاتك الرقمية.

فجأة، تتحول من شخص “نزيه ومحترم” إلى خائن عميل، وربما حتى جندي سري في فرقة المهمات الخاصة التابعة للموساد، لا لشيء سوى لأنك قلت “ربما الزعيم ليس دائمًا على حق”.

ما هي إلا لحظات، حتى تبدأ حفلة الشواء…

يُشعلون نار القطيع، يرمون عليك الاتهامات مثل حبات فشار في مهرجان. يسبّونك، يشتمون أمك، وربما يرسلون لك صور عائلتك، ويقولون “احترم نفسك”، بكل وقاحة.

بل الأسوأ – والأكثر وضاعة – أن بعض “الفرسان الرقميين” يتفننون في نشر صور فتيات، بعضهن أبرياء، على مواقع إباحية مرفقة بأرقام هواتفهن… في محاولة لإسكات صوت أو إذلال شخص، أو فقط… للمتعة.

وهنا المفارقة العجيبة: تجد من يهاجمك باسم الشرف ويدافع عن زعيمه بنشر صور النساء في مواقع العار.

تسأل نفسك: هل هؤلاء من كوكب الأرض أم خرجوا من معمل تجارب مشبوه لإنتاج اللامنطق البشري؟

والمثير في كل هذا؟ أن بعضهم يتعامل مع المنصة كما يتعامل الجاسوس مع وطنه.

قد يستدرجونك عبر حساب فيه “سيدة رقيقة” تتكلم عن الحنان والحب والحياة الجميلة، لتكتشف لاحقًا أنها مارغريت تاتشر في مهمة استخباراتية خاصة، هدفها الوحيد: الإيقاع بك وتقديمك قربانًا للمنصة.

حتى الحب صار أداة لتصفية الحسابات! باختصار، التيك توك لم يعد مجرد تطبيق.

إنه جمهورية إلكترونية، فيها زعماء وقطيع ومخبرون وجواسيس، وحتى “شهيدات المنصة” اللواتي يضحين بأنفسهن من أجل القضية.

أي قضية؟ لا أحد يعلم، لكن المهم أن تكون ضدّك. هل صرنا في خطر؟ نعم.

حين تُنتهك الخصوصيات، يُهدَّد الناس، وتُستخدم النساء كأدوات حرب إلكترونية… فنحن لا نتكلم عن حرية تعبير، بل عن انزلاق مجتمعي يُدار بالـ”لايك” و”الشير”.

وإن سألت أحدهم عن القانون؟ سيجيبك: “القانون؟ آه، قصدك قانون الترند؟

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: