الجزائر في قلب العاصفة: الطرد الجماعي للمهاجرين جنوب الصحراء يُعمق عزلتها الإقليمية
حنان الفاتحي
تواصل الجزائر انتهاج سياسة الهروب إلى الأمام في تعاطيها مع الأزمات الدبلوماسية المتصاعدة في منطقة الساحل، حيث اتخذت من المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء ورقة ضغط جديدة، على خلفية التوتر العلني مع كل من مالي والنيجر، واللتين تتهمان الجزائر بشكل مباشر بدعم الإرهاب في المنطقة.
في تطور لافت، كشفت مصادر نيجيرية عن ترحيل جماعي لأكثر من 5000 مهاجر خلال شهر أبريل الجاري فقط، من بينهم أكثر من 1100 في يوم واحد، في ظروف غير إنسانية وصفتها سلطات نيامي بـ”القاسية والمخالفة لأبسط مبادئ الكرامة”. العملية نُفّذت بشكل مفاجئ وشبه قسري عند ما يعرف بـ”النقطة صفر” على الحدود الجزائرية النيجرية، حيث يُترك المطرودون لمصيرهم وسط الصحراء الكبرى.
هذا التحرك لا يمكن فصله عن تصاعد التوتر السياسي بين الجزائر وتحالف دول الساحل (مالي، النيجر، بوركينا فاسو)، لا سيما بعد حادث إسقاط طائرة مسيرة تابعة للجيش المالي من قبل القوات الجزائرية مطلع الشهر الجاري، في حادثة وصفها مراقبون بالاستفزاز المباشر. الرد المالي والنيجري كان صارمًا، واتُّهمت الجزائر بدعم تحركات مسلحة مشبوهة في الشريط الحدودي.
ومع تصاعد الانتقادات الحقوقية، أعادت المنظمات الإنسانية التذكير بأن الطرد الجماعي للمهاجرين ليس سلوكًا جديدًا لدى السلطات الجزائرية، بل هو جزء من سياسة ممنهجة بدأت منذ سنوات، حيث تم ترحيل أكثر من 31 ألف مهاجر إلى النيجر في عام 2024 وحده، في ظروف مشابهة بل وأشد قسوة.
وما يزيد من تعقيد المشهد هو أن العلاقات بين الجزائر ونيامي دخلت منذ أكتوبر 2023 نفقًا مظلمًا، بعد نفي الأخيرة لادعاءات الجزائر بالقيام بدور الوساطة بينها وبين المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس). هذه الحادثة كشفت عن تراجع كبير في مصداقية الجزائر إقليميًا، خاصة بعد أن وُصفت تحركات وزير خارجيتها حينها بأنها “ادعاء ومراوغة سياسية”.
من ناحية أخرى، عبّر مسؤولون أوروبيون ومنظمات دولية عن قلقهم العميق حيال الأوضاع التي يعيشها المطرودون، والذين لا يشملون فقط الماليين والنيجريين، بل مواطنين من عدة دول إفريقية وآسيوية، ما يعكس الطابع العشوائي والانتقامي لهذه السياسات.
ورغم محاولات الجزائر تقديم تبريرات أمنية لطرد المهاجرين، إلا أن هذه الخطوة، بحسب المراقبين، تعكس تخبطًا دبلوماسيًا واضحًا، واستعمالًا متكررًا للملف الإنساني كأداة ابتزاز سياسي.
ومع تزايد التقارير الحقوقية والإدانات الدولية، من المتوقع أن تواجه الجزائر ضغطًا دوليًا متصاعدًا في المحافل الأممية، خاصة وأن منظمات مثل “المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب” قد وثّقت انتهاكات جسيمة بحق آلاف المهاجرين، بعضها يصل حد التعذيب والقتل العمد، وهو ما يهدد بالمزيد من العزلة الدولية لنظام يحاول ترميم صورته الخارجية بوسائل تتعارض مع القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان