بعد مرور أكثر من خمسين عامًا على اختلاق النظام الجزائري لما يُسمّى “قضية الصحراء الغربية” – وهي في حقيقتها صحراء مغربية – بدأت تتضح معالم الأهمية الاستراتيجية لهذا النزاع المفتعل، لا سيّما منذ الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية في ديسمبر 2020، وهو اعتراف رسّخ مبدأ أنّ هذه الأراضي جزء لا يتجزأ من التراب المغربي.
هذه المسألة لم تكن وليدة اللحظة، بل ثمرة لرؤية استراتيجية بعيدة المدى جسّدها الملك الراحل الحسن الثاني، واستكملها بحكمة وحنكة الملك محمد السادس، الذي تبنّى مقاربة واقعية تهدف إلى ترسيخ الاستقرار في منطقة شمال أفريقيا وتعزيز الدور المغربي في القارة.
بدأت هذه الرؤية تتجسد فعليًا منذ “المسيرة الخضراء” في نوفمبر 1975، ووصلت إلى ذروتها في طرح مبادرة الحكم الذاتي الموسع سنة 2007، التي باتت تحظى اليوم بدعم دولي واسع. هذا الطرح الذي قدمه المغرب ليس مجرّد اقتراح سياسي، بل هو تأكيد على الرغبة في إنهاء النزاع المفتعل بعيدًا عن الأوهام والمزايدات، وتثبيت دعائم الأمن في منطقة تعرف هشاشة أمنية خطيرة.
من بين هذه الأوهام، سعي الجزائر لإنشاء كيان وهمي على الأطلسي يمنحها منفذًا بحريًا مزعومًا، تحت غطاء ما يُعرف بـ”البوليساريو”، وهي ليست سوى أداة جزائرية تُستخدم في حرب استنزاف سياسية وأمنية ضد المغرب.
المعهد الأميركي المرموق “هدسون” كشف مؤخرًا في دراسة مهمة عن الوجه الحقيقي لجبهة البوليساريو، داعيًا الإدارة الأميركية إلى تصنيفها كـ”منظمة إرهابية أجنبية”، استنادًا إلى خروقاتها المتكررة لوقف إطلاق النار، وتورطها في علاقات مع جماعات إرهابية مثل حزب الله وحزب العمال الكردستاني، بالإضافة إلى استخدام طائرات مسيّرة إيرانية وتهريب الأسلحة إلى مناطق النزاع، ما يهدد المصالح الأميركية في الساحل الأفريقي.
تؤكد الدراسة أنّ المغرب حليف استراتيجي من خارج الناتو، وأن دعمه ضروري لضمان التوازن والاستقرار في منطقة تعاني من تمدد قوى معادية كإيران، وروسيا، والصين. في المقابل، تسهم أنشطة البوليساريو في نشر الفوضى، وتحويل منطقة تندوف إلى بؤرة لتجنيد وتصدير الإرهاب.
وفي ضوء هذه التهديدات، برزت أصوات في الكونغرس الأميركي تطالب باتخاذ خطوات ملموسة، من بينها إدراج البوليساريو على قوائم الإرهاب، دعمًا لمبادرة الحكم الذاتي التي تمثل الحل السياسي الواقعي الوحيد، كما أكد ذلك السيناتور ماركو روبيو.
ما طرحه المغرب ليس مشروعًا توسعيًا، بل مشروع استقرار وتنمية. وهو ما تجسده الإنجازات في الأقاليم الجنوبية، من بنية تحتية وموانئ حديثة مثل الداخلة، التي أصبحت بوابة نحو أفريقيا والأميركيتين، مقابل واقع مخيمات تندوف التي تحولت إلى مصانع لتفريخ اليأس والتطرف.
في النهاية، لم تعد الأمور تحتمل التذاكي أو التمويه. القضية في جوهرها نزاع مغربي – جزائري بامتياز. والمطلوب هو تبنّي مقاربة واقعية تنظر إلى الصحراء بمنظار التنمية والاستقرار، لا بمنطق الحرب الباردة وسياسات الوكالة. لقد آن الأوان للاعتراف بالحقائق: البوليساريو أداة، والقضية مغربية، والحل في الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.