الجزائر تحاول رأب الصدع مع أوروبا… بعد أن شبّت النار في بيتها السياسي

بوشعيب البازي

تعيش الدبلوماسية الجزائرية في الآونة الأخيرة حالة من التوتر المزمن مع الشركاء الأوروبيين، آخر فصوله ما بات يعرف بـ”القطيعة الدبلوماسية المصغّرة” مع فرنسا، التي بدأت بطرد متبادل للدبلوماسيين وقد تتطوّر إلى أزمة اقتصادية تؤثر على التبادل التجاري والشراكات الطاقية. وفي هذا السياق، رجّحت أوساط سياسية أن الجزائر قد تكون لجأت إلى الاتحاد الأوروبي عبر مبعوثه ستيفانو سانينو، مدير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في محاولة لاحتواء التصعيد مع باريس قبل أن يصل إلى نقطة اللاعودة.

القلق داخل الجزائر لا يقتصر على الخلاف مع فرنسا فقط، بل يتسع ليشمل تدهور العلاقات مع إسبانيا، والذي أفرز خسائر اقتصادية بمليارات الدولارات. هذا السياق المتوتر جعل الاتحاد الأوروبي يراقب عن كثب مواقف الجزائر المتقلبة، التي كثيرًا ما تتسم بردود أفعال سياسية انفعالية، ما يهدد ثقة الشركاء الأوروبيين بها كمورد مستقر للطاقة وشريك يُعوَّل عليه استراتيجياً.

ويبدو أن الجزائر، التي فشلت في دخول نادي “بريكس” رغم مساندتها المعلنة من موسكو وبكين، وجدت نفسها مضطرة إلى إعادة ترتيب أوراقها والرهان من جديد على أوروبا والولايات المتحدة، على أمل استعادة موقعها ضمن منظومة الشراكات الدولية، لكن الغموض والارتباك في سياساتها الخارجية يظل عائقًا كبيرًا أمام هذا المسعى.

ورغم محاولات سانينو تقديم صورة إيجابية عن زيارته للعاصمة الجزائر، والإشادة بجهود التعاون في مجال الطاقة والطاقات المتجددة، فإن الاتحاد الأوروبي لا يخفي رغبته في ضمان استقرار الشراكات والسياسات، خاصة في ما يتعلق بالهجرة، والطاقة، والتبادل التجاري، وهي ملفات كانت في قلب التوتر مع مدريد وباريس على حد سواء.

وفي الوقت الذي تسعى فيه الجزائر إلى تأكيد نواياها “التكاملية”، من خلال تصريحات الرئيس تبون حول انفتاحها على الحوار مع الاتحاد، فإن المتابعين يرون أن الاتحاد بصدد مراجعة شاملة لعلاقاته مع الضفة الجنوبية للمتوسط، بما فيها الجزائر، في إطار مقاربة جديدة تهدف إلى شراكة أكثر واقعية، قائمة على استقرار المواقف لا على ردود الأفعال.

ورغم اللقاءات المكثفة التي عقدها سانينو في الجزائر، وتركّزت على مشاريع طموحة في مجال الربط الكهربائي وتصدير الهيدروجين الأخضر، فإن هذه الطموحات قد تصطدم بواقع سياسي داخلي يعاني من هشاشة في اتخاذ القرار، وتناقض في الخطاب الرسمي، ومناخ دبلوماسي مُضطرب لا يشجع على بناء الثقة المستدامة.

الجزائر تحاول اليوم ترميم الجسور التي أحرقتها أمس… لكن من الصعب أن تُبنى الشراكة على رماد الثقة. والاتحاد الأوروبي، الذي لا يحب المغامرات غير المحسوبة، يراقب من بعيد، ويخطط من الآن للبدائل، في حال استمرّت الجارة الشرقية في اعتماد سياسة “حرق السفن ثم طلب النجدة من الشاطئ المقابل”

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: