زيارة أمنية رفيعة تؤكد متانة التحالف المغربي الإسباني في مواجهة التحديات المشتركة

مجدي فاطمة الزهراء

في خطوة تؤكد من جديد أهمية الشراكة الأمنية بين الرباط ومدريد، استقبل عبد اللطيف الحموشي، المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، وفدًا أمنيًا إسبانيًا عالي المستوى يقوده اللواء لويس بالييز بنيرو، المسؤول عن جهاز الاستعلامات بالحرس المدني الإسباني. اللقاء، الذي جرى بالعاصمة المغربية، يعكس الأهمية الاستراتيجية المتزايدة للعلاقات بين البلدين، ويأتي في ظرفية إقليمية ودولية دقيقة.

ما يميز هذه الزيارة هو كونها الأولى من نوعها للمسؤول الإسباني منذ تعيينه، وقد اختار المغرب كوجهة أولى، في رسالة واضحة على أن التنسيق الأمني مع الرباط يُعد أولوية قصوى في الأجندة الأمنية الإسبانية، خصوصًا في ظل التحديات المشتركة، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب، الجريمة المنظمة، والهجرة غير النظامية.

تفاهم أمني في سياق تحولات سياسية حساسة

المحلل الأمني محمد الطيار يرى في هذه الزيارة دليلاً واضحًا على رهان إسبانيا على الخبرة المغربية في التصدي للتحديات الأمنية المعقدة التي تشهدها المنطقة، مبرزًا في تصريح لصحيفة “العرب” أن هذه الخطوة تنسجم مع إدراك مدريد بأن استقرارها الداخلي يرتبط بشكل وثيق بفعالية التنسيق مع الرباط.

ويأتي هذا التنسيق في وقت تتصاعد فيه الهواجس الأمنية داخل الأوساط العسكرية والإعلامية الإسبانية، بعد تقارير عن تشكيل خلية خاصة داخل الجيش الإسباني لتحليل “التهديد المغربي المحتمل”، ما أثار جدلاً واسعًا بسبب عدم التنسيق مع القيادة السياسية ممثلة في وزارة الدفاع. وتُقرأ زيارة الوفد الإسباني إلى الرباط أيضًا كرسالة تطمينية تهدف إلى تفادي أي سوء فهم قد يؤثر على العلاقات الثنائية التي تمر بمرحلة متميزة من التعاون والتقارب.

تعاون أمني بحمولة استراتيجية

بيان صادر عن المديرية العامة للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني شدد على أن اللقاء ركز على تطوير آليات التنسيق المشترك، وتعزيز الشراكة الأمنية بين المغرب وإسبانيا، باعتبارها نموذجًا ناجحًا للتعاون الثنائي، أثبت نجاعته في العديد من العمليات الأمنية النوعية التي جنّبت المنطقة تهديدات إرهابية وتداعيات عابرة للحدود.

ويأتي هذا التنسيق الأمني في سياق الدينامية الإيجابية التي تعرفها العلاقات الثنائية منذ زيارة رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إلى المغرب في أبريل 2022، وهي الزيارة التي دشنت مرحلة جديدة من التعاون المبني على احترام المصالح الاستراتيجية المشتركة، بما في ذلك دعم مدريد لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، والتي اعتبرها المجتمع الدولي مقترحًا جادًا وواقعيًا.

الأمن في خدمة المستقبل المشترك

المحادثات المغربية الإسبانية تطرقت أيضًا إلى ضرورة رفع جاهزية التعاون الأمني بين البلدين استعدادًا لتنظيم كأس العالم 2030، الذي ستحتضنه كل من المغرب وإسبانيا والبرتغال. في هذا السياق، تم الاتفاق على تطوير استراتيجيات أمنية مشتركة لتأمين الحدث الكروي العالمي، بما يضمن حماية الجماهير والمنشآت الرياضية من أي تهديدات محتملة.

إن هذه الزيارة تؤكد أن العلاقات المغربية الإسبانية تتجاوز اليوم الطابع التقليدي إلى شراكة استراتيجية شاملة، حيث يحتل الأمن موقعًا مركزيًا فيها. في عالم يشهد تصاعدًا في المخاطر العابرة للحدود، يظهر التنسيق بين الرباط ومدريد ليس فقط كحاجة آنية، بل كخيار استراتيجي لضمان استقرار غرب المتوسط، وتعزيز آفاق التعاون الأورو-متوسطي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: