ألمحت جبهة البوليساريو، ولأول مرة في تاريخ النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، إلى استعدادها للنظر في مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، في تصريح غير مسبوق أدلى به إبراهيم البشير بيلا، من يُعرف بـ”وزير داخلية” الكيان غير المعترف به. هذا التطور المفاجئ في خطاب الجبهة الانفصالية يعكس تحوّلاً سياسياً حاداً، ويُرجّح أنه يأتي استجابة لضغوط متصاعدة داخلية ودولية، خاصة في ظل تدهور الأوضاع الاجتماعية في مخيمات تندوف وارتفاع الأصوات الرافضة للطرح الانفصالي. ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها محاولة لامتصاص الغضب الشعبي واحتواء الاحتقان، أكثر منها تحوّل قناعة حقيقي.
تعددت التفسيرات لهذا التوجه الجديد، بين من يرى أنه اعتراف متأخر بواقعية المقترح المغربي الذي يحظى بدعم دولي واسع، وبين من يعتبره مجرد مناورة لربح الوقت، خاصة في ظل تهديدات أميركية صريحة بتصنيف الجبهة كتنظيم إرهابي إن لم تنخرط في مسار تفاوضي جاد يقود إلى حل نهائي، يستند إلى مشروع الحكم الذاتي كخيار واقعي ومتوازن. ومن المعروف أن البوليساريو لا تمتلك استقلالية القرار، بل تلتزم بما تمليه عليها الجزائر، وهو ما يعزز فرضية أن التلميح الأخير تمّ برعاية جزائرية، إما كمناورة سياسية تقليدية أو كإجراء استباقي خشية التبعات الدبلوماسية لسياسة المكابرة المستمرة.
المؤشرات القادمة من داخل الجبهة تُظهر حالة من الارتباك والدفاع، خاصة مع تسارع الاعترافات الدولية بأفضلية المقترح المغربي، وتزايد عدد الدول التي تؤيد الحكم الذاتي باعتباره الحل الأنسب للنزاع. تصريح إبراهيم بيلا الذي اعتبر الحكم الذاتي “خياراً من بين عدة خيارات” يُعد اختراقاً في خطاب الجبهة، ويُفهم منه ضمنياً أن مفهوم “تقرير المصير” لم يعد يعني بالضرورة الانفصال، بل قد يشمل أشكالاً من السيادة المشتركة أو الحكم الذاتي.
هذا التحوّل لم يأتِ بمعزل عن الأزمة التي تمر بها الجبهة، سواء بسبب التدهور المعيشي في مخيمات تندوف أو نتيجة الفضائح المتعلقة باختلاس المساعدات الإنسانية من طرف قيادات الجبهة، في ظل مطالب حقوقية متزايدة بفتح تحقيقات في الانتهاكات وسوء استخدام الأموال والمساعدات. هذه التجاوزات زادت من السخط الداخلي وأدت إلى موجة هجرة شبابية نحو جماعات متطرفة، مما يعكس انهيار الثقة بالقيادة وطرحها الانفصالي.
سعيد بوشاكوك، الباحث المتخصص في قضايا التنمية، اعتبر أن التصريحات الأخيرة تعكس ارتباكاً في مواقف الجبهة التي أصبحت محاصَرة دولياً بعد تنامي القناعة الأممية بضرورة التوصل إلى حل سياسي واقعي، وهو ما جعل القيادة الانفصالية في مواجهة ضغط داخلي حاد وشرخ متزايد مع القاعدة الشعبية داخل المخيمات.
من جهته، صرّح الطالب بوي أباحازم، أحد أعيان قبائل الصحراء المغربية، أن هذا التحول لم يكن خياراً، بل نتيجة ضغوط قاهرة فرضتها المستجدات الإقليمية والدولية، وهو بمثابة اعتراف ضمني بأن الانفصال لم يعد خياراً واقعياً، وأن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الصيغة الأكثر قبولا حتى داخل المخيمات.
في ظل هذه المعطيات، يبدو أن المغرب يقترب أكثر من أي وقت مضى من الحسم النهائي لقضية الصحراء، مدعوماً بموقف أميركي وفرنسي راسخ في مجلس الأمن، فيما تدرس بريطانيا تغيير موقفها لصالح مقترح الحكم الذاتي، ما قد يفتح الباب أمام تحالف دولي واسع لدفع نحو حل نهائي، يُنهي النزاع المفتعل ويكرّس السيادة المغربية على كامل أقاليمها الجنوبية.