تيك توك: المهدّئ الرسمي لضعف الشخصية والانهيار المجتمعي

بوشعيب البازي

في زمنٍ كانت فيه الهواتف وسيلة للاتصال، تحوّلت اليوم إلى أجهزة إنعاشٍ افتراضيّ يُحقَن بها بعض الناس يوميًا عبر تطبيق يُدعى تيك توك. تيك توك، هذا المصل السحري الذي يعِدُ بالشهرة، الضحك، وأحيانًا بالفضائح التي تجعل منك نجمًا لثلاث ساعات قبل أن تُصبح مادة للسخرية لثلاث سنوات.

دعونا لا نُخفي الحقيقة: بعض المستخدمين، ممن يعانون من هشاشة نفسية أقرب لرقائق البطاطا، يعيشون على هذا التطبيق أكثر مما يعيشون في منازلهم. 12 ساعة من الرقص، البث المباشر، تبادل الشتائم، والانتظار اللاهث لتعليق من أحد المتابعين يقول فيه: “أنت كيوت”. هنا، تنفجر جرعة الدوبامين في الدماغ، ويتم الإعلان عن نصر جديد على الفراغ الوجودي!

أما ضعيفو الشخصية، فهؤلاء هم الوجبة المفضلة لخوارزميات التطبيق. يظنون أن القبول الافتراضي هو صك الغفران الوجودي. يتلقّون التعليقات السلبية وكأنها أوامر عسكرية، فيغيرون مظهرهم، آراءهم، وحتى أسماءهم فقط ليرضوا جمهورًا غير معروف لا يعرف هو نفسه ماذا يريد.

ومن عجائب هذا التطبيق أنه جعل من التنمّر رياضة يومية. كل ما تحتاجه هو اتصال بالإنترنت ولسان سليط، والباقي تتكفّل به خوارزمية تروّج للمهزلة وتمنح المتنمر حفنة من المتابعين. أما الضحية؟ فإما تبكي أمام الكاميرا لتحصل على تعاطفٍ لحظي، أو تختفي فجأة في زحمة المحتوى الرقمي. لا أحد يسأل عن مصيرها، فهناك دوماً شخص آخر يُهان ليُسلّي الجمهور.

وبينما يذوب المستخدمون داخل شاشاتهم، نجد أطفالاً يُربّون أنفسهم، أزواجاً يتحدثون مع هواتف شركائهم أكثر مما يتحدثون معهم، ومجتمعات تتآكل رويداً رويداً وهي ترقص على أنغام محتوى لا طعم له ولا هدف.

أما الإدمان على التيك توك، فهو ليس مجرّد استخدام زائد، بل هو إدمان حقيقي يُغيّر كيمياء الدماغ، يقلل من التركيز، يقتل الإبداع، ويحوّل الإنسان إلى “مستهلك” رقمي دائم يبحث فقط عن الفيديو التالي. لم نعد نعيش في زمن “افتح يا سمسم”، بل “افتح يا تيك توك” كل ثلاث دقائق.

في الختام، يبدو أن بعض الناس وجدوا في تيك توك وطناً بديلاً، وجمهوراً بديلاً، وعقلاً بديلاً… للأسف الشديد. ولو استمر هذا الحال، فربما نحتاج مستقبلاً إلى مراكز إعادة تأهيل رقمية، تحمل لافتات تقول:

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: