تيك توك أو “محكمة الشعب العليا”: عندما يصبح السب فناً والهدايا وسيلة للابتزاز
بوشعيب البازي
في زمن كانت فيه القهوة رمز الجلسة والنقاش، أصبح “اللايف” على تيك توك هو البرلمان الشعبي الجديد، حيث يجتمع المتخصصون في “السب المقنع”، والتنمر الفني، والضحك على حساب أعراض الناس، بينما تتساقط الهدايا الرقمية كأننا في موسم جني الزيتون!
الغريب في الأمر؟ أن “المسبوب” هو من يحصد الثمار! لا نعلم هل هي تعاطف جماهيري، أم أن هناك مؤامرة خفية بين صاحب الحساب و”الضحية”، لتوزيع الأدوار كأننا في حلقة من مسلسل تركي رخيص الإنتاج. شخص يعلق، فينقضّ عليه صاحب المنصة، ثم تنهمر الهدايا من المشاهدين كما لو أنهم يصفقون لمعركة في حلبة مصارعة رومانية!
السؤال المحير: هل صاحب الحساب فعلاً غاضب، أم أن السيناريو كله متفق عليه مسبقاً؟ هل هي “لايفات لتصفية الحسابات” أم “لايفات للاسترزاق على ظهور المساكين”؟ لا ندري، ولكن يبدو أن تيك توك قد تحوّل إلى سيرك إلكتروني فيه من “البهلوانيات الكلامية” ما يكفي لتصوير جزء رابع من مسلسل “حب أعمى”.
المشكلة ليست فقط في السخرية أو السب، بل في أن الأمر تحوّل إلى نوع من الابتزاز الإلكتروني، حيث يُستدرج المعارضون، ويتم اصطياد تعليقاتهم و خصوصياتهم ، لتحويلها إلى وجبة دسمة من “الطنز المباشر”، يُعاد طهيها في أكثر من لايف، ويُستهلك لحمها حتى آخر قطرة هدية!
والنتيجة؟ المفكرون والمثقفون هجّوا من تيك توك كما تهرب النعامة من الأسد. لم يعودوا قادرين على مواجهة طوفان السب، ولا على احتمال أن تُذكر أسماؤهم بجانب “الطرائف العائلية” والتشهير المجاني.
تيك توك اليوم لم يعد مجرد تطبيق، بل أصبح محكمةً شعبيةً فيها القاضي هو صاحب الحساب، والجلاد هو الجمهور، والضحية هو كل من امتلك رأياً مخالفاً. وكل ذلك يتم تحت شعار “الحرية في اللايف”، التي أصبحت حرية في تدمير النفسيات، وتحطيم الكرامات.
وهنا، يجب أن نطرح السؤال بجدية: كم من شخص ضُرب في كرامته أمام آلاف المتابعين؟ كم من شاب أو فتاة دخلوا في نوبة اكتئاب حادة بسبب تعليق ساخر أو فيديو مُفبرك؟ وكم من “لايف” كان السبب في أزمة نفسية قد تنتهي بسكتة قلبية أو، لا قدر الله، انتحار؟
نعم، هذا هو أخطر أنواع العنف: العنف الإلكتروني. أثره أعمق من الضرب، وجراحه لا تُرى بالعين المجردة، لكنها تنزف كلما فُتح التطبيق.
الوقت ليس في صالحنا. وإذا لم تتدخل السلطات للحد من هذه الظاهرة، فقد يكون الحل الأخير هو إغلاق التطبيق نهائياً في المغرب، قبل أن يتحول تيك توك إلى مقبرة رقمية للكرامة الإنسانية