تصريحات بيلا: مرونة محسوبة أم مناورة جزائرية في ظل ضغط أميركي؟

بوشعيب البازي

في سابقة لافتة، أقرّ ما يسمى بوزير داخلية جبهة البوليساريو، إبراهيم البشير بيلا، بأن مبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب تمثل “خياراً من بين عدة خيارات” لحل نزاع الصحراء، في إشارة اعتُبرت من قبل مراقبين مؤشراً أولياً على بداية تليين في خطاب الجبهة الانفصالية.

لكن، في السياسة، لا شيء يُقال صدفة. إذ تتزامن هذه التصريحات مع مؤشرات قوية على تحرك دبلوماسي أميركي جديد يقوده مستشارو الرئيس السابق دونالد ترامب، في محاولة لإعادة بعث الوساطة بين المغرب والجزائر حول النزاع. وهو ما يطرح السؤال: هل تعكس تصريحات بيلا تغيراً حقيقياً في موقف الجبهة؟ أم أنها مجرد مناورة جزائرية لتخفيف الضغوط الدولية؟

القرار ليس بيد الجبهة

رغم أن حديث بيلا يمثل سابقة من حيث ذكره العلني لمقترح الحكم الذاتي المغربي، فإن المحللين السياسيين يُجمعون على أن القرار الحقيقي لا يُتخذ في الرابوني، بل في الجزائر العاصمة. ومن هنا، يرى كثيرون أن تصريحات بيلا قد تكون مجرد ورقة ضغط دبلوماسية بتنسيق مع الجزائر لتمرير صورة أكثر ليونة عن الجبهة، دون تقديم تنازلات حقيقية.

الخبير الأمني المغربي محمد الطيار يرى أن هذا التصريح “لُوّح به في الإعلام الجزائري كتمويه ومحاولة لخلط الأوراق”، خصوصاً في وقت تتزايد فيه الضغوط على الجزائر وبوليساريو للانخراط في حوار جدي، لا سيما بعد الدعم الأميركي المتجدد للمقاربة المغربية.

واشنطن تدخل على الخط

في هذا السياق، كان لافتاً تأكيد مستشار ترامب للشؤون الإفريقية والشرق أوسطية، مسعد بولس، أن موقف الولايات المتحدة من قضية الصحراء “واضح وصريح ولا يقبل اللبس”، مشدداً على “الاعتراف الكامل بسيادة المغرب على صحرائه”.

ويبدو أن الإدارة الأميركية تمضي نحو تصعيد لهجتها في حال استمرار التعنت الجزائري، حيث لمّحت مصادر دبلوماسية إلى أن تصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية قد يُطرح على الطاولة في حال رفضها الانخراط في المسار التفاوضي ضمن إطار الحكم الذاتي.

الجزائر بين ضغط الداخل ومصالح الخارج

من جانبها، تحاول الجزائر أن تُظهر توازناً دقيقاً بين حرصها على عدم التصادم مع الولايات المتحدة، خاصة في ظل مساعيها لتعزيز التعاون العسكري مع واشنطن، وبين دعمها التقليدي للبوليساريو. وهنا قد تكون تصريحات بيلا محاولة جزائرية لشراء الوقت، وإعطاء انطباع إيجابي دون الالتزام الفعلي بأي تغيير في الموقف.

ولعلّ الأزمة المتفاقمة داخل مخيمات تندوف، وما تعيشه من تدهور في الأوضاع الأمنية والإنسانية، تشكل بدورها عاملاً إضافياً للضغط على الجبهة التي تجد نفسها أمام خيارين: إما الانخراط في حل واقعي مدعوم دولياً، أو مواصلة سياسة الإنكار في ظل عزلة متزايدة.

في ضوء المستجدات الدولية والإقليمية، تبدو مبادرة الحكم الذاتي المغربية أكثر واقعية ومصداقية من أي وقت مضى، خصوصاً مع الدعم الدولي المتنامي لها. أما تصريحات بيلا، فيُرجّح أن تبقى في إطار التكتيك السياسي ما لم تُترجم إلى مواقف رسمية صادرة عن الجزائر، الطرف الحقيقي الممسك بخيوط الملف.

المرحلة المقبلة قد تشهد مزيداً من التحركات الأميركية لفرض مسار تفاوضي عملي، والرهان الأكبر سيكون على قدرة الجزائر على التجاوب مع هذا الزخم الدبلوماسي، ليس فقط لتفادي العزلة، بل لحماية مصالحها الإستراتيجية التي قد تكون على المحك

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: