في جمهورية “تيك توكستان”، حيث يُقاس حب الوطن بعدد القلوب الحمراء وعدد “الجيفتات” في البث المباشر، بزغ نجم “كولايور” كأحد أعظم المخرجين الوطنيين في تاريخ المسرح الرقمي. لا يُخرج أفلامًا، ولا مسرحيات، لكنه يُخرج بثوثًا حماسية، يتقن فيها فن الصراخ، التلميح، والضرب تحت الحزام.
“كولايور” لم يعد مجرد صانع محتوى، بل تحوّل إلى مفتش وطني أعلى، يوزّع أوسمة الوطنية ويَحذفها من المنصات المنافسة كما يحذف “الفيلترات” من صوره. صوته يعلو في كل “لايف”، موجهًا سهامه إلى كل من لا يدخل ضمن دائرة الموالاة الافتراضية. أما السبب؟ بسيط جدًا: لأن دعم المتابعين أصبح يُحتكر، ويبدو أن “الجيبة الوطنية” لا تتسع للجميع.
هذا المخرج، الذي روّض جيوشًا من الأشباح الرقمية، جعل من متابعيه جندًا إلكترونيًا جاهزًا للضرب في كل من لا يركع لـ”رؤية كولايور”. أي منصة تحاول الاستقلال بخطابها، أو ترفض الانخراط في “تحالف اللايكات”، تصبح فجأة خائنة، مشبوهة، وربما “مدفوعة من الخارج”. يا سبحان الله، كل من لا يبارك بثه صار عدوًا للوطن!
أما الوطنية، فحدّث ولا حرج. هي عند كولايور قفزة بهلوانية من “قضية الصحراء” إلى “العدو الداخلي”، إلى توجيه التهم لمنافسيه في السوق الرقمية. الوطنية عنده ليست مواقف، بل مسرحيات يومية مدتها ساعة ونصف، تنتهي بنداء استغاثة: “دعمونا باش نكملو المشوار الوطني!”.
الطريف أن كولايور يتعامل مع الوطنية كأنها امتياز حصري، وكأن المغرب سينهار أخلاقيًا وإعلاميًا إن لم يكن هو المتحدث الرسمي باسمه. من لا يُصفّق له يُعتبر مارقًا، ومن لا يُرسل له الورود يُتهم بالعمالة.
لكن الحقيقة أن الوطنية التي تُقاس بعدد “التفاعلات” هي وطنية كرتونية، لا تملك لا جذور ولا أخلاق. والمضحك المبكي أن كولايور ومن على شاكلته، أصبحوا يشكّلون خطرًا على الوعي الجماعي أكثر مما يشكلون إضافة له. لأنهم ببساطة يُفسدون كل شيء: الوطنية، الحوار، وحتى البث المباشر.