دكاكين “تيك توك”… الوطنية حسب عدد الهدايا

بوشعيب البازي

في الزمن الذي أصبحت فيه الوطنية تُقاس بعدد الورود الافتراضية و”الجيفتات” الطائرة، ظهرت على ساحة “تيك توك” المغربي دكاكين رقمية تُسوّق نفسها كحماة الوطن، بينما لا يتجاوز سقف نضالها حدود البث المباشر وقائمة المتصدرين.

منصات تُرفع شعارات الوطنية بحماس بهلواني، تصرخ، تشتم، وتبكي أحيانًا… كل هذا في سبيل “الوطن”، أو بالأحرى، في سبيل دعم مالي من داعمين مجهولين الهوية، معروفين التوجيه. هؤلاء “الداعمون” لا يظهرون في الواجهة، لكنهم يختارون المواضيع، يحدّدون الخصوم، ويمسكون بخيوط اللعبة. أما “التيك توكي” الوطني، فهو مجرد أداة تنفيذ، يصرخ حين يُطلب منه، ويسكت حين يُضغط عليه، ولا بأس ببعض دموع التماسيح على فترات منتظمة.

المنصات التي كانت تدّعي الدفاع عن وحدة الوطن، تحوّلت إلى سلاح لتصفية الحسابات الشخصية، ومركزًا لتوزيع شهادات الوطنية، أو سحبها. كل من خالف رأي “الزعيم” أصبح خائنًا. وكل منصة لا تدخل ضمن “التحالف الرقمي المبارك” تُعتبر مشبوهة، وربما مدعومة من الخارج (خصوصًا إذا كانت تنتقد صانع المحتوى الأعلى دخلًا في الأسبوع).

الوضعية أصبحت كارثية لدرجة أن بعض المنصات اختارت تأجيج الصراع مع الجزائريين فقط لجلب المتابعين والهدايا، رغم أن الطرف الآخر أصلاً لا يملك حرية الكلام عن مشاكل بلده، ناهيك عن الحديث عن المغرب. فما الفائدة من رفع شعارات الصحراء والسبّ والشتم، إذا كان ذلك كله لن يغير شيئًا على أرض الواقع؟ أهي الوطنية التي تُبنى على الصراخ في بث مباشر؟ أم مجرد مسرحية موسمية لجلب “الأونصة الذهبية” من جمهور مغلوب على أمره؟

والأطرف من كل هذا، أن هؤلاء يعتقدون أن المغرب، البلد العريق بتاريخ عمره قرون، سينهار إن اختفوا من التيك توك. وكأننا نعيش في جمهورية البث المباشر، عاصمتها “الترند”، وجيشها الوطني من المصفقين الرقميين.

نحن لا نشكك في وطنية أحد، لكن حين تتحول الوطنية إلى سلعة تباع وتُشحن وتُهدى، فهنا وجب رفع راية التنبيه. الوطنية الحقيقية تُمارَس، لا تُتاجر. تُبنى بالعقل، لا بالصراخ. تُدافع عنها المؤسسات والمثقفون والصحفيون، لا “كرييتور” يشتم الناس ثم ينهي البث بـ”بارطاجي لايف”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: