آه، تيك توك! المنصة التي بدأت كفضاء للرقص والميمات، وانتهت سوقًا شعبية افتراضية، لا تُباع فيها سوى أعراض الناس وتُعرض فيها المواجع والمهازل بثمن “لايك” و”شير”. إنها ليست مجرد تطبيق، بل تجربة روحانية عميقة في عالم التفاهة، حيث يتبارى الناس في من يقول أغبى شيء بأعلى صوت!
نحن أمام “تيك التوك” العظيم، حيث تُقاس القيمة الفكرية بعدد المتابعين، لا بعدد الخلايا الرمادية في الرأس. تافه يصرخ، وآخر يرد عليه، وثالث يصنع “دويتو” من التافهين السابقين ويضيف قليلاً من الصراخ. وهكذا، تدور العجلة. وإن لم يجدوا حادثاً يهز السوشيال ميديا؟ لا بأس! اتفاق بسيط على الخاص، نص مسرحي قصير، والكل يعرف دوره: أنت تتهجم، أنا أرد، والجمهور يصفق، والخزينة تمتلئ.
والمحتوى؟ ما هو المحتوى؟ كلمة يبدو أنها حُذفت من قاموس التيك توكيين. أين المواضيع الجادة؟ أين المبادرات التي تحاول رفع الوعي أو مناقشة قضايا حقيقية؟ لا شيء! فقط سيل من “سخافات البث المباشر” حيث شخص لا يعرف إعراب “كان وأخواتها” يتحدث عن مواضيع أخلاقية وكأن سقراط بُعث من جديد بفلتر أرنب.
منصة صارت بمثابة حمّام تقليدي، لكنه دون بخار… فقط نفاق ونميمة. يسبّ في هذا صباحاً، ويتناول معه الشاي مساءً. المهم التفاعل! المهم “الترند”! أما الضمير، فمؤجل حتى إشعار آخر.
ألا تستحق هذه المنصة أن تُحوّل إلى فضاء يعكس وعينا ويطور فكرنا؟ ألا تستحق أن تكون منبراً يساهم في تغيير واقعنا بدل أن تجرّنا إلى أعماق السطحية؟ لكن لا حياة لمن تنادي. “خبط ورزّ” وتلفيق وسوء نية… وكل هذا فقط ليُضاف صفر جديد في عدد المتابعين.
تيك توك، يا منصة العصر، يا مرآة التفاهة المعاصرة… لكِ منا كل التقدير، فقد استطعتِ أن تجمعي ما لم تجمعه منابر الثقافة والإعلام: جمهور يُصفّق للتفاهة بحرارة، ويترك العقول تُصاب بالبرد