الجزائر تستدعي شبح الحرب: قانون “التعبئة العامة” بين العجز والتهديد
مجدي فاطمة الزهراء
بعد أن خسر أوراقه واحدة تلو الأخرى أمام المغرب وفرنسا ومالي، لجأ النظام الجزائري إلى خيار مفاجئ وخطير: مشروع قانون “التعبئة العامة”. خطوة لا تخفي توجّها تصعيديًا، بل تكشف عن منطق نظام يشعر بأن نهايته تقترب، فيقرر قلب الطاولة تحت ذريعة “الاستعداد لحالة استثنائية”.
قانون للردع أم مؤشر على الفوضى؟
في 20 أبريل 2025، صادق مجلس الوزراء الجزائري، برئاسة عبد المجيد تبون، على مشروع قانون ينظم التعبئة العامة، ضمن ما يسمى “الظروف الاستثنائية” المنصوص عليها في الدستور. لكن ما يُروّج له كمجرد إجراء قانوني، يُقرأ من قِبل المراقبين كإعلان نوايا حربية، خاصة في سياق إقليمي متوتر ودبلوماسي مُحبط.
بموجب هذا القانون، يمكن للسلطة الجزائرية تعبئة الجيش والمواطنين، تعليق الحريات، تحويل الاقتصاد إلى اقتصاد حرب، ومصادرة الممتلكات. رسالة قوية للخارج… لكنها أكثر رعبًا للداخل.
القرار يأتي في لحظة اختناق سياسي ودبلوماسي. العلاقات مع فرنسا بلغت الحضيض بعد سحب باريس لسفيرها وطرد دبلوماسيين جزائريين. مالي هي الأخرى دخلت في صدام مباشر مع الجزائر بعد إسقاط طائرة مسيّرة لها، ما فاقم العزلة الإقليمية للنظام. ومع كل خطوة، يظهر النظام فاقدًا للبوصلة، يرد بفوضى ويصعّد في اتجاهات متعددة دون استراتيجية واضحة.
في الجهة المقابلة، يواصل المغرب كسب المواقف الدولية لصالحه في ملف الصحراء. واشنطن تؤكد دعمها الكامل لسيادة المغرب، ودول أوروبية جديدة تنضم لمبادرة الحكم الذاتي. هذه الانتصارات الدبلوماسية وضعت النظام الجزائري في موقع دفاعي مرتبك، وجعلت من التصعيد خيارًا مغامرًا للهروب من الفشل الداخلي.
التعبئة كقناع للرعب الداخلي
داخل الجزائر، لم يُستقبل مشروع القانون كعلامة قوة، بل كمصدر قلق حقيقي. وسائل التواصل الاجتماعي امتلأت بتعليقات الجزائريين المتخوفين من تداعيات هذا المسار. فالتعبئة لا تعني الحرب فقط، بل تعني عسكرة الحياة اليومية، خنق الحريات، وتجريد المواطن من أبسط حقوقه.
رغم التبريرات الرسمية بأن المشروع “قديم”، وأنه مبرمج منذ أشهر، لا يبدو أحد مقتنعًا بذلك. الجميع يرى فيه رد فعل على الضغوط، وليس نتيجة رؤية أو خطة محكمة.
الخطر في الداخل لا الخارج
الخطر الحقيقي الذي يهدد الجزائر اليوم ليس مغربًا منتصرًا ولا فرنسا غاضبة ولا مالي متأهبة. الخطر يكمن في الداخل: في الانقسام المجتمعي، في الارتجال السياسي، في اقتصاد مأزوم، وفي مؤسسات تترنح. وفي ظل قيادة غير متجانسة يتصدرها تبون وشنقريحة، تبدو الجزائر مقبلة على مرحلة أكثر هشاشة.
كل المؤشرات تؤكد أن النظام الجزائري، بعد أن استنفد أدواته، أصبح مستعدًا للذهاب إلى أقصى الحدود للحفاظ على سلطته. حتى لو تطلّب الأمر اللعب بورقة الحرب. لكن في واقع اليوم، لم تعد الحرب وسيلة ردع… بل دليل فشل.