اتفاق الجزائر وموريتانيا الدفاعي: هروب إلى الأمام أم بداية مراجعة؟

بوشعيب البازي

وقّعت الجزائر مؤخرًا اتفاقًا دفاعيًا مع موريتانيا، في خطوة وُصفت في الإعلام الرسمي بأنها تجسيد للتعاون الإقليمي وتعزيز للتكامل بين البلدين. غير أن هذا الاتفاق، الذي لم تُفصح الجزائر عن مضمونه الكامل، يبدو أقرب إلى تحرك دعائي في توقيت مأزوم أكثر منه نقلة نوعية في السياسة الدفاعية أو العلاقات الثنائية.

منذ أشهر، والجزائر تعيش ارتباكًا دبلوماسيًا لافتًا: أزمة متفاقمة مع المغرب، جفاء مع فرنسا، قطيعة مع إسبانيا، وتصعيد أمني على حدودها الجنوبية مع مالي. إنها معزولة أكثر من أي وقت مضى، وعلاقاتها المتوترة مع جيرانها أفقدتها هامش الحركة الذي كانت تراهن عليه. وفي هذا السياق، يأتي اتفاقها مع موريتانيا كمناورة مدروسة تهدف إلى بعث رسالة داخلية أكثر منها خارجية: “لسنا وحدنا”.

لكن، هل يمكن لموريتانيا، التي اتبعت دائمًا سياسة الحياد الإيجابي، أن تُعوّل عليها الجزائر كشريك استراتيجي في ظرف معقد كهذا؟ الواقع يُظهر أن نواكشوط ما زالت حذرة، وتُدير علاقتها بجيرانها بعقلانية، دون اصطفاف أعمى. غياب الرئيس الموريتاني عن اللقاء الثلاثي في الجزائر مارس الماضي، وعدم حماس نواكشوط للمبادرات الجزائرية الإقليمية، كلها مؤشرات على أن موريتانيا لن تنجر بسهولة وراء أجندات تتجاوز مصالحها المباشرة.

الأرجح أن هذا الاتفاق الدفاعي جاء على خلفية الانفلات الأمني في مالي، ومحاولة الجزائر احتواء تداعياته، خصوصًا مع تصاعد العمليات العسكرية التي تقودها باماكو بدعم من مجموعة فاغنر، ووصولها إلى تخوم الحدود الجزائرية. هذا القلق مشروع، لكنه لا يُبرر التهويل السياسي الذي رافق توقيع الاتفاق، وكأن الأمر إنجازٌ استراتيجي حاسم.

من جهة أخرى، لا يمكن قراءة هذه الخطوة بمعزل عن الحاجة الداخلية الجزائرية لخلق “انتصارات معنوية”. فالاتفاقات الدولية، حتى وإن كانت شكلية، تُوظَّف في الداخل لطمأنة الرأي العام بأن الجزائر ما زالت فاعلة على الساحة، وأنها قادرة على بناء تحالفات رغم التوترات.

ما تحتاجه الجزائر اليوم ليس اتفاقًا جديدًا، بل مراجعة شاملة لنهجها في المنطقة. فبدل أن تستمر في سياسة العداء المفتوح تجاه المغرب، ومحاولات الهيمنة على قرارات دول الجوار، الأجدى أن تنفتح على شراكات حقيقية قائمة على التوازن والاحترام المتبادل.

في النهاية، موريتانيا ليست ممرًا ولا ورقة ضغط، بل دولة ذات سيادة، تدرك جيدًا كيف توازن بين علاقاتها، وتحمي مصالحها. أما الجزائر، فإن كانت جادة في بناء تعاون إقليمي صادق، فعليها أن تبدأ أولاً بمصالحة مع الذات، ثم مع الجيران.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: