الدبلوماسية المغربية… تجسيد عملي لرؤية ملكية استراتيجية

مجدي فاطمة الزهراء

“تجسيد فعلي للرؤية الملكية في العمل الدبلوماسي” — هكذا عبّرت عن رأيي حين سُئلت عن دلالات الحراك الدبلوماسي المكثف الذي قاده مؤخراً وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، خلال جولته لعدد من العواصم المؤثرة في صناعة القرار العالمي، وعلى رأسها واشنطن. لقاءات بوريطة الاستراتيجية مع شخصيات أمريكية بارزة كوزير الخارجية مارك أنطونيو روبيو، ومستشار الأمن القومي السابق مايك والتز، شكلت إشارات واضحة على اتساق الدبلوماسية المغربية مع توجهات القيادة العليا للمملكة، وتجسد النهج المتزن والمسؤول الذي يميز السياسة الخارجية المغربية.

موقف الإدارة الأميركية، كما عبّر عنه روبيو، جاء داعماً صريحاً لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، مؤكداً أن مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية تبقى الخيار الواقعي الوحيد لحل هذا النزاع الإقليمي المفتعل. اللافت أيضاً، إعلان السيناتور الجمهوري جو ويلسون نيته تقديم مقترح لتصنيف ميليشيا البوليساريو كمنظمة إرهابية، ما يشكل تحولا حاسما في الرؤية الأميركية للنزاع.

هذا الدعم جاء عشية انعقاد الجلسة المغلقة لمجلس الأمن حول قضية الصحراء، التي شهدت تقديم المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا لإحاطته حول الوضع الراهن، إلى جانب عرض رئيس بعثة “المينورسو” ألكسندر إيفانكو لتطورات مهمته في المنطقة.

التحركات المغربية، بقيادة الملك محمد السادس، لم تكن يوماً مجرد ردود أفعال بل خطوات مدروسة ضمن رؤية شاملة تهدف إلى إحلال سلام دائم ومستدام في المنطقة. وهذا ما تؤكده إحاطة دي ميستورا رغم لغته الدبلوماسية، التي حملت بين طياتها إشارات واضحة للمواقف الأميركية والفرنسية والإسبانية، وأكدت ضرورة تغيير منهج التعاطي الأممي مع النزاع عبر دعم المقترح المغربي الواقعي.

الكلمة التي ألقاها دي ميستورا في مجلس الأمن تحولت إلى ما يشبه المحاكمة العلنية للنظام الجزائري، الذي حول مخيمات تندوف إلى معتقلات مفتوحة تعاني فيها النساء والأطفال من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان. التقارير المتواترة أكدت قيام الجيش الجزائري بإطلاق النار على محتجزين حاولوا الفرار، في وقت تُمنع فيه المنظمات الدولية من مراقبة الوضع الإنساني بالمخيمات.

النساء والأطفال في تندوف يعيشون أوضاعاً كارثية وسط غياب تام للرقابة الدولية. وقد تحدث دي ميستورا صراحة عن الفقر، التمييز، والتجنيد القسري، بالإضافة إلى بيئة خصبة للتطرف والإرهاب، ما يؤكد فشل النظام الجزائري في تحمل مسؤولياته القانونية والإنسانية.

مواقف دولية داعمة وتوازنات جديدة

التحول في موازين القوى واضح، مع اتساع رقعة الدعم الدولي للموقف المغربي، بدءاً من الولايات المتحدة، مروراً بفرنسا وبريطانيا، ووصولاً إلى دول أفريقية وأوروبية مثل سيراليون، غانا، الدنمارك واليونان. هذا التحول يعكس فاعلية التحركات المغربية في المنتديات الدولية. حتى المواقف الروسية والصينية تبدو أقرب إلى التفاهم مع الطرح المغربي، في ضوء حيادية الرباط وحكمتها في تجنب الاصطفافات الجيوسياسية الحادة.

التنسيق المثالي بين القوات المسلحة الملكية وبعثة المينورسو، كما أشار إليه رئيسها ألكسندر إيفانكو، يؤكد أن المغرب لا يكتفي بالدفاع عن حقوقه دبلوماسياً فقط، بل يرسّخ سيادته ميدانياً بروح مؤسساتية ومهنية عالية تعكس توجهات الملك محمد السادس كقائد أعلى للقوات المسلحة.

على الجانب الآخر، تعيش ميليشيا البوليساريو حالة من التصدع والانهيار نتيجة الفشل الذريع في مواجهة التفوق المغربي، خاصة في ظل الهيمنة الجوية للطائرات بدون طيار المغربية، التي شلّت تحركاتهم. حالة التذمر داخل المخيمات تنامت، خصوصاً مع تراجع عمليات التهريب التي كانت تشكل شريان حياة اقتصاد الميليشيا.

تحولات استراتيجية تعزز الموقف المغربي

يمكن اعتبار كلمة دي ميستورا ورسائل الإدارة الأميركية بمثابة إشارات قوية على التحول الجذري في الموقف الدولي من قضية الصحراء. المغرب اليوم يحصد ثمار عمل دبلوماسي استراتيجي طويل النفس، قائم على توازن المصالح واستشراف المستقبل. وكما قال هنري كيسنجر: “الدبلوماسية هي فن الموازنة بين القوة والمصالح، وبين المبادئ والواقع”، فإن الدبلوماسية المغربية تجسد هذا الفن بأعلى مستوياته، ملتزمة برؤية ملكية صلبة تعتبر أن لا تفاوض على الأرض، وأن السلام الحقيقي يبدأ من الاعتراف بسيادة المغرب الكاملة على صحرائه.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: