كشفت تقارير استقصائية، عن شبكة واسعة من الجماعات الوكيلة التي قامت إيران ببنائها على مدار سنوات لتعزيز حضورها الإقليمي، امتدت من الشرق الأوسط إلى شمال أفريقيا. ومن أبرز ما كشفه التقرير هو التعاون غير المسبوق بين طهران وجبهة البوليساريو، التي تنشط انطلاقًا من الأراضي الجزائرية، في خطوة تُظهر تغيرًا استراتيجيًا في السياسة الإيرانية تجاه المنطقة.
ويعد هذا أول توثيق علني لعلاقة مباشرة بين إيران والبوليساريو، التي ترفض مقترح الحكم الذاتي المغربي وتطالب بإجراء استفتاء حول مصير الصحراء المغربية. ويشير التقرير إلى أن هذا التعاون يعكس مساعي إيران لتوسيع مجال نفوذها خارج حدود بيئتها الطائفية التقليدية، وتحديدًا المشرق العربي، نحو مناطق جديدة تشهد فراغًا استراتيجيًا مثل شمال أفريقيا.
وبحسب التقرير، تلقى مئات من عناصر جبهة البوليساريو تدريبات عسكرية وأمنية على يد خبراء إيرانيين، وجرى لاحقًا رصد بعضهم في شبكات مسلحة نشطت داخل سوريا إبان فترة حكم نظام بشار الأسد. غير أن السلطات السورية الجديدة، التي تولت السلطة عقب الإطاحة بالأسد في ديسمبر الماضي، تمكنت من تفكيك هذه الشبكات واعتقال عدد من عناصرها.
واعتبر مسؤول أوروبي كبير هذا التطور “تحولًا خطيرًا”، مؤكداً أن إيران باتت تنتهج سياسة جديدة تقوم على دعم حركات انفصالية أو مسلحة لا تنتمي بالضرورة للبيئة الشيعية، في محاولة لتوسيع خارطة تحالفاتها وخلق أدوات ضغط جديدة على خصومها، خاصة المغرب، الذي يرتبط بتحالفات استراتيجية مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
وفي المقابل، تعمل الرباط بشكل متزايد على تنسيق جهودها مع دول الخليج لمواجهة هذا التمدد الإيراني، في ظل ما تعتبره تهديدًا مباشرًا لاستقرارها الإقليمي، خصوصًا في جنوب المملكة.
ويرى خبراء تحدثوا للصحيفة أن قيام طهران بنقل تقنيات التسليح والتدريب إلى البوليساريو يهدف إلى خلق نقطة توتر على حدود المغرب الجنوبية، ويمثل اختبارًا لنموذج جديد من “الحروب بالوكالة” خارج نطاق الهلال الشيعي المعروف.
وأضاف التقرير أن السلطات السورية الجديدة عثرت على عدد من عناصر البوليساريو المدربين من قبل إيران أثناء مداهمات لشبكات تهريب أسلحة وطائرات مسيّرة قرب الحدود مع لبنان. ووصفت الصحيفة هذه العمليات بأنها من أوسع حالات الانتشار الإيراني خارج مناطق نفوذها التقليدي.
وتأتي هذه الحملة في سياق تحوّل كبير تشهده سوريا، بقيادة الرئيس الجديد أحمد الشرع، والذي يعمل على تفكيك البنى التحتية التي كانت تُستخدم من قبل إيران وحلفائها كقنوات للتهريب والدعم اللوجستي، بما يشمل مخازن أسلحة وشبكات ترويج المخدرات.
ومع تصاعد الضغوط على إيران، يُرجّح لجوؤها إلى أساليب أكثر تطرفًا، مثل محاولة استخدام جماعات سنية متشددة لزعزعة استقرار الحكومة السورية الجديدة، بحسب التقرير. وأشارت واشنطن بوست إلى أن العديد من الميليشيات الموالية لطهران تحولت إلى عصابات إجرامية لتجنب الملاحقة، بينما يسعى حزب الله اللبناني لإعادة تمركز قواته ونقل الأسلحة خارج سوريا، لتفادي الاستهداف الإسرائيلي.
وكان المغرب قد قرر في مايو 2018 قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران، متهمًا إياها بدعم جبهة البوليساريو عبر ذراعها حزب الله، وهو ما أكده حينها وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، معلنًا عن إغلاق سفارة بلاده في طهران وطرد السفير الإيراني من الرباط.
وجاء في بيان لوزارة الخارجية المغربية أن هذا القرار جاء بعد “دراسة دقيقة” لمعطيات تثبت الدعم السياسي والعسكري والإعلامي الذي تقدمه طهران، عبر حزب الله، للبوليساريو.
وفي السياق ذاته، قدّم ثلاثة نواب أميركيين في سبتمبر 2018 مشروع قانون أدانوا فيه التعاون بين البوليساريو وحزب الله، محذرين من أن هذا التحالف يمثل تهديدًا للأمن والاستقرار في شمال أفريقيا، ويناقض المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة.
كما تلقى موقف المغرب بشأن الصحراء دعمًا متزايدًا من المجتمع الدولي، حيث افتتحت أكثر من 30 دولة قنصليات وتمثيليات دبلوماسية في الأقاليم الجنوبية للمملكة، في إشارة واضحة للاعتراف بسيادة المغرب على المنطقة.
وكان من أبرز هذه الدول الولايات المتحدة، التي جددت عبر تصريحات وزير خارجيتها ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي مايك والتز تأييدها لمقترح الحكم الذاتي المغربي، واعتباره الحل الوحيد الواقعي والدائم لهذا النزاع طويل الأمد.