احتجاجات بمخيمات تندوف تهدد بانفجار داخلي في صفوف بوليساريو وسط تصاعد الدعوات للعودة إلى المغرب
بوشعيب البازي
تشهد مخيمات تندوف جنوب غرب الجزائر حالة غير مسبوقة من الغليان الشعبي، عقب مقتل مدني أعزل من قبيلة أولاد دليم برصاص الجيش الجزائري، ما أدى إلى اندلاع احتجاجات عنيفة ومواجهات بين المحتجين والقوات الجزائرية. وتأتي هذه الأحداث لتعمّق أزمة الثقة داخل المخيمات، وسط دعوات متزايدة للعودة إلى المغرب، في مشهد يرى فيه المراقبون مؤشرا على قرب انهيار المشروع الانفصالي الذي تتبناه جبهة البوليساريو بدعم جزائري.
وتداولت منصات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر تصاعد وتيرة الاحتجاجات، حيث أطلق سكان المخيمات شعارات تندد بالقمع، وتطالب بالرحيل إلى المغرب كحلّ وحيد لإنهاء معاناتهم. وتحوّلت هذه الاحتجاجات إلى حالة من العصيان المدني، وسط قمع عنيف من الجيش الجزائري وميليشيات البوليساريو.
وأفاد “منتدى دعم مؤيدي الحكم الذاتي بمخيمات تندوف” (فورساتين) أن ما حدث يكشف بوضوح أن المخيمات ليست سوى “سجن كبير تديره أيادٍ جزائرية وتتحكم فيه قيادة بوليساريو الوهمية، التي تحوّلت إلى أداة سياسية تخدم أجندة إقليمية فاشلة”.
وأوضح المنتدى أن الجبهة الانفصالية تعيش حالة “انهيار داخلي” نتيجة سوء التسيير والفساد المالي، إلى جانب الضغوط الاجتماعية والأمنية المتزايدة، في ظل احتجاجات متكررة وتدهور الأوضاع الإنسانية.
تضييق دولي على المشروع الانفصالي
تتزامن هذه التطورات مع موقف دولي داعم للمبادرة المغربية بشأن الحكم الذاتي في الصحراء، وعلى رأسه الولايات المتحدة، التي أعربت مجددًا عن تأييدها لمقترح الرباط كحل واقعي ودائم. وكان الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب قد دعا الجزائر والبوليساريو إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات، مشددًا على أن مبادرة المغرب تمثل “الإطار الوحيد المقبول” للتوصل إلى تسوية.
وفي السياق ذاته، أكد أستاذ العلاقات الدولية خالد شيات أن “الموقف الأميركي يضع حدودًا واضحة أمام محاولات الانفصال، ويؤكد أن الملف لا يمكن أن يُحلّ خارج إطار السيادة المغربية”. وأضاف أن الجزائر تواصل التهرب من الاعتراف بدورها المباشر في النزاع، رغم أن الواقع الميداني يثبت أنها الطرف الرئيس الذي يعرقل أي تقدم نحو حل دائم.
وأشار شيات إلى أن “استمرار الجزائر في الإنكار يعقّد الأزمة ويطيل أمدها، خاصة أن الظروف الدولية لم تعد تصب في صالحها، بل تكشف تناقض خطابها وممارساتها على الأرض”.
تحول دولي محتمل في مجلس الأمن
ومن المنتظر أن يعقد مجلس الأمن الدولي جلسة حاسمة غدًا الاثنين لبحث مستجدات ملف الصحراء. وقد نقلت ليزا كنا، المسؤولة في وزارة الخارجية الأميركية، للمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، دعم واشنطن لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، مؤكدة أنها تمثل “الحل الوحيد” لإنهاء النزاع، داعية الأطراف إلى العودة للمفاوضات “بأسرع وقت”.
وفي خطوة تصعيدية ضد جبهة البوليساريو، أعلن النائب الجمهوري الأميركي جو ويلسون عن مشروع قانون يهدف إلى تصنيفها “منظمة إرهابية”، متهمًا الجبهة بخدمة أجندات معادية للمصالح الأميركية، في إشارة إلى دعم إيران وروسيا لها، محذرًا من “محاولات ترسيخ وجود هاتين القوتين في شمال أفريقيا عبر بوابة البوليساريو”.
وتقاطع هذا الموقف مع تصريحات للسيناتور ماركو روبيو، الذي أكد أن مبادرة الحكم الذاتي المغربية تظل الخيار الواقعي والوحيد القابل للتطبيق، داعيًا إلى تكثيف الدعم الدولي لها.
واقع متغير يفرض مقاربة جديدة
ويرى مراقبون أن الأحداث الأخيرة في تندوف وما يرافقها من ضغط دولي متزايد على الجزائر والبوليساريو، قد تعيد رسم معادلات التفاوض، خصوصًا مع انسداد أفق المشروع الانفصالي وازدياد وتيرة الاعتراف الدولي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، حيث افتتحت أكثر من 30 دولة قنصليات في مدن الصحراء المغربية، تأكيدًا على موقفها الداعم لوحدة التراب المغربي.
ويؤكد المغرب أنه لن يقبل بأي مسار سياسي خارج إطار الموائد المستديرة التي ترعاها الأمم المتحدة، والتي تستوجب مشاركة فعلية من الجزائر باعتبارها طرفًا رئيسيًا في النزاع، مشددًا على أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي تظل الإطار الوحيد القابل للنقاش.