الجزائر في مأزق دبلوماسي بعد تجديد واشنطن دعمها لمغربية الصحراء

بوشعيب البازي

وجدت الجزائر نفسها في وضع دبلوماسي حرج بعدما أكدت الولايات المتحدة، مجددًا، دعمها الواضح والصريح لمخطط الحكم الذاتي الذي تقترحه المملكة المغربية كحل وحيد للنزاع المفتعل حول الصحراء. هذا التأكيد جاء في وقت حساس، ليضع الدبلوماسية الجزائرية أمام خيار صعب: إما التصعيد، كما اعتادت مع دول أوروبية مثل فرنسا وإسبانيا، أو محاولة حفظ ماء الوجه بلغة دبلوماسية باردة لا تتجاوز حدود “الأسف”.

وعلى عكس التصعيد الذي انتهجته الجزائر مع مدريد وباريس – حيث استدعت سفراءها وعلقت معاهدات الصداقة – اكتفت الخارجية الجزائرية ببيان مقتضب أعربت فيه عن “الأسف”، دون التجرؤ على الدخول في مواجهة مع واشنطن. هذه المقاربة الحذرة تفضح هشاشة الموقف الجزائري وتؤكد وعي النظام بخطورة استفزاز الولايات المتحدة، خاصة أن الجزائر ظلت طوال السنوات الماضية تحاول التقرب من واشنطن عبر عروض تعاون عسكري وصفقات تسليح مغرية، في مسعى للابتعاد عن روسيا وإعادة التموقع الجيو-استراتيجي.

وبحسب خبراء، فإن الجزائر كانت تأمل أن تثمر هذه الجهود عن ليونة أميركية حيال ملف الصحراء، غير أن إدارة ترامب أولًا ثم الإدارة الحالية برئاسة جو بايدن تمسكتا بموقف الاعتراف بمغربية الصحراء، معتبرة مبادرة الحكم الذاتي المغربية خيارًا واقعيًا وذا مصداقية.

وأكد محمد الطيار، الخبير المغربي في الدراسات الأمنية والإستراتيجية، أن الجزائر لم تجرؤ على استخدام نفس العبارات الحادة أو الإجراءات العدوانية التي عادةً ما تتبناها مع دول أخرى. فقد أدركت أن أي تصعيد مع واشنطن قد يثبت للعالم عزلتها المتزايدة ويحرجها أمام الداخل الجزائري الذي بدأت تتسرب إليه مشاعر الإحباط من السياسات الخارجية للنظام.

من جهته، يرى الدكتور رشيد لزرق، أستاذ العلوم السياسية، أن موقف الخارجية الجزائرية يكشف عن ازدواجية واضحة في التعامل مع ملف الصحراء؛ حيث تتبنى خطابًا ناريًا مع دول أوروبية، بينما تنكفئ على نفسها أمام الولايات المتحدة، خوفًا من تداعيات دبلوماسية واقتصادية لا طاقة لها بها.

ويذكر أن الجزائر كانت تراهن خلال عهد ترامب على مذكرة التفاهم العسكري لفتح قنوات تأثير جديدة مع واشنطن. تصريحات سفيرها في الولايات المتحدة، صبري بوقادوم، حينها أكدت الرغبة الجزائرية في توسيع مجالات التعاون لتشمل تبادل المعلومات الاستخباراتية البحرية وصفقات الأسلحة، فضلًا عن إغراء إدارة ترامب بالثروات المعدنية التي تزخر بها الجزائر.

لكن رغم كل هذه المحاولات، ظلت الإدارة الأميركية ثابتة على موقفها: الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، ودعم مقترح الحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع.

بذلك، يتأكد أن الجزائر باتت اليوم معزولة دبلوماسيًا، عاجزة عن التأثير في قرارات الكبار، مضطرة إلى التراجع وإخفاء خيباتها خلف عبارات دبلوماسية فاترة، فيما يواصل المغرب حصد الدعم الدولي لمبادرته الجادة والواقعية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: