الولايات المتحدة تعزز دعمها لمبادرة الحكم الذاتي المغربية: موقف صارم يحاصر مناورات الجزائر والبوليساريو
بوشعيب البازي
في خطوة تعكس عمق التحالف الاستراتيجي بين واشنطن والرباط، شددت الولايات المتحدة الأميركية بشكل قاطع على دعمها لمبادرة المغرب لمنح حكم ذاتي للأقاليم الصحراوية تحت سيادته، مؤكدة أن هذا المقترح يُعد “الإطار الوحيد” للتفاوض نحو تسوية نهائية للنزاع المستمر منذ عقود.
وخلال اجتماع بواشنطن بين وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ونظيره الأميركي ماركو روبيو، أعادت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، تامي بروس، التأكيد على أن الاعتراف الذي أقره الرئيس السابق دونالد ترامب بسيادة المغرب على الصحراء عام 2020 لا يزال يمثل سياسة رسمية لواشنطن.
وأوضحت بروس أن الوزير روبيو شدد على ضرورة التفاوض بشكل فوري على أساس خطة الحكم الذاتي المغربية، واصفاً إياها بـ”الأساس الوحيد” للتوصل إلى حل عادل ودائم للنزاع، مشيراً إلى أن هذا المقترح يتمتع بـ”الجدية والمصداقية والواقعية”.
منذ عام 1975، يشهد ملف الصحراء المغربية حالة من الجمود، في ظل تمسك المغرب بوحدة أراضيه، مقابل مساعي جبهة البوليساريو، المدعومة من الجزائر، لفصل الإقليم تحت مسمى “الجمهورية الصحراوية”.
في هذا السياق، أكدت بروس أن الولايات المتحدة ترى في الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية “الحل العملي الوحيد المتاح”، مما يعزز الموقف التفاوضي للمغرب بشكل كبير ويدفع الأطراف الأخرى إلى إعادة النظر في استراتيجياتها المتعثرة.
الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب، الذي تزامن مع اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، كان له تأثير بالغ على تعزيز مكانة الرباط الدولية. فقد لحقت بواشنطن قوى دولية كبرى، أبرزها فرنسا وإسبانيا، اللتان أعلنتا دعمهما الصريح لمبادرة الحكم الذاتي المغربية.
رغم هذا الزخم الدولي المتزايد، تواصل الجزائر والبوليساريو التمسك بمطلب إجراء استفتاء لتقرير المصير، متجاهلين التحولات العميقة في مواقف العواصم الكبرى. ويصر المغرب على ضرورة إشراك الجزائر بشكل مباشر في أي مفاوضات قادمة، باعتبارها طرفاً أساسياً في النزاع، وهو ما ترفضه الجزائر حتى الآن.
وفي رد فعل حذر، عبّرت الجزائر عن أسفها للموقف الأميركي، من خلال بيان لوزارة خارجيتها وصفته بأنه “انحراف عن مبادئ القانون الدولي”، مجددة تشبثها بخيار تقرير المصير عبر الاستفتاء وفق قرارات الأمم المتحدة.
لكن الرد الجزائري جاء هذه المرة بنبرة أقل حدة مقارنة بالسابق، في ظل سعي الجزائر لتعزيز علاقاتها العسكرية مع الولايات المتحدة، حيث يجري البلدان محادثات متقدمة لصفقات تسليح، في إطار سياسة الجزائر لتنويع شركائها في مجال الدفاع.
وتعي الجزائر جيداً أن معارضة سياسات إدارة ترامب بشكل علني قد تعرضها لمخاطر دبلوماسية وعقوبات محتملة، خاصة في ظل توجه واشنطن لإعادة رسم نفوذها الأمني في إفريقيا عبر بوابة المغرب، بعد خسارتها لقواعد مهمة في منطقة الساحل.
على صعيد آخر، يشكل المغرب اليوم شريكاً استراتيجياً محورياً للولايات المتحدة، ليس فقط في ملف الصحراء، بل أيضاً كمنصة اقتصادية وتجارية وأمنية نحو القارة الإفريقية، وهو ما يمنح الرباط أدواراً إقليمية متزايدة الأهمية.
في ضوء هذا السياق الإقليمي المتوتر، يشير الموقف الأميركي الأخير إلى بداية مرحلة جديدة قد تفرض واقعاً مغايراً لمسار المفاوضات حول الصحراء المغربية، معززةً آمال الرباط في إنهاء هذا النزاع الذي طال أمده، وسط مراقبة حذرة لتحركات الجزائر والبوليساريو في الفترة المقبلة.