على غير العادة، جاء رد الجزائر هذه المرة على الموقف الأميركي الجديد بشأن الصحراء المغربية باهتاً وخجولاً بشكل لافت، مثيراً للاستغراب مقارنة مع ردود أفعالها السابقة العنيفة تجاه مواقف مماثلة من دول كإسبانيا وفرنسا. لا تهديدات، لا استدعاء سفراء، ولا حتى خطابات نارية كانت في الماضي تصدر مع كل دعم خارجي للمغرب. أمام إدارة ترامب، بدا النظام الجزائري عاجزاً ومربكاً.
البيان الجزائري، المقتضب والحذر، عبّر بالكاد عن “أسف” الجزائر لتأكيد الولايات المتحدة على دعم مقترح الحكم الذاتي المغربي كـ”الإطار الوحيد” لحل النزاع. وهو تعبير بعيد كل البعد عن اللهجة المتشنجة المعتادة من الجزائر تجاه القوى الكبرى الداعمة لمغربية الصحراء. هذه المرة، اكتفت الجزائر بلغة دبلوماسية باردة، متجنبة أي تصعيد مباشر مع واشنطن.
وفي تفاصيل الموقف، حاولت الجزائر التخفيف من وقع القرار الأميركي، مقدّمةً تأويلاً مخففاً يوحي بأن واشنطن لم تعترف إلا بمخطط الحكم الذاتي، متجاهلة الاعتراف الأميركي الكامل بسيادة المغرب على صحرائه منذ عام 2020. ورغم محاولاتها التمسك بالإطار الأممي، عبر الإشارة إلى أن “الصحراء لا تزال إقليماً غير متمتع بالحكم الذاتي”، فإن النبرة الجزائرية بقيت ضعيفة وغير مؤثرة.
ما يلفت الانتباه أكثر هو غياب أي رد فعل عملي كالذي ميز علاقات الجزائر مع دول أوروبية في مواقف سابقة. أمام فرنسا، لم تتردد الجزائر في استدعاء سفيرها، قطع التعاون الأمني، وشن حملات إعلامية شرسة، كما فعلت أيضاً مع إسبانيا. أما مع الولايات المتحدة، فقد اقتصر الرد على بيان بارد خجول، يعكس وعياً جزائرياً بمحدودية قدرتها على مواجهة إدارة ترامب، المعروفة بقلة صبرها تجاه الاعتراضات والمواقف العدائية.
حتى الخطوات الرمزية مثل استدعاء السفير الجزائري في واشنطن للتشاور لم تتم. وهو ما يبعث برسائل واضحة إلى العواصم الأوروبية وغيرها: الجزائر لا تجرؤ على التصعيد حين يتعلق الأمر بالولايات المتحدة، ما قد يشجع المزيد من الدول على الانضمام إلى قائمة الداعمين لمقترح الحكم الذاتي المغربي دون الخوف من رد فعل جزائري عنيف.
وهكذا، تكشف هذه الواقعة حجم التناقض في سياسة الجزائر الخارجية تجاه قضية الصحراء المغربية. وتوضح أن شراسة النظام الجزائري غالباً ما تُستخدم فقط مع الدول الأوروبية، بينما تنكسر حدتها أمام قوى كبرى كالولايات المتحدة. في الوقت الذي كان يُنتظر فيه رد حازم، جاءت الجزائر بأضعف مواقفها، مُظهرة عجزاً دبلوماسياً سيزيد من عزلتها في هذا الملف الإقليمي الحساس.