مسجد روما الكبير: تحفة معمارية تجمع بين الثقافة المغربية والإيطالية

بوشعيب البازي

مسجد روما الكبير هو أكثر من مجرد مكان للعبادة، إنه رمز للتلاقي الثقافي والديني بين الشرق والغرب، حيث تلتقي الحرف اليدوية المغربية الفاخرة عبر العصور مع روح مدينة روما الفنية والمعمارية العريقة.

يُعد مسجد روما الكبير من أبرز المعالم الدينية والثقافية في العاصمة الإيطالية، حيث يعكس روح التعايش والتبادل الثقافي بين العالمين العربي والإيطالي. داخل هذا المعلم المعماري المهيب، يسيطر الفن الزخرفي المغربي التقليدي على المكان، مع زخارف من الزليج والجبس والنحاس والخشب المنقوش، ما يضفي على المسجد طابعًا فنيًا فريدًا ينقل الزائر في رحلة إلى قلب التراث المغربي، وكأنه يطوف في أحد مساجد أو مدارس مدينة فاس، العاصمة الروحية للمغرب.

يعد مسجد روما الكبير أكبر مسجد في أوروبا، وهو يتوسط “المدينة الخالدة” التي لطالما كانت مصدر إلهام للفن والعمارة. وفي هذا السياق، يوضح عبدالله رضوان، الكاتب العام للمركز الثقافي الإسلامي في إيطاليا، أن اختيار المغرب لتزيين المسجد لم يكن عشوائيًا، بل كان بمثابة تجسيد للتكامل بين التقاليد الإسلامية والجمالية الإيطالية.

ويضيف رضوان قائلاً: “تم تصميم المسجد من قبل المهندسين الإيطاليين، بينما أوكلت مهمة تنفيذ الزخارف الفنية من الزليج والنقوش الجبسية والمشربيات والثريات النحاسية إلى الحرفيين المغاربة الذين يمتلكون خبرة وفنًا لا يضاهى”.

ويؤكد أن كل جزء من أجزاء المسجد يحمل بصمة مغربية مميزة، بدءًا من القاعة الكبرى للصلاة وصولًا إلى المكتبة وقاعة الاجتماعات. من بين الأماكن التي يفضلها رضوان داخل المسجد، يذكر النافورة التي تذكره بنافورة النجارين في فاس، مما يبرز الارتباط الوثيق بين التصميم المعماري للمسجد والتراث المغربي العريق.

ويستعيد ذكريات افتتاح المسجد قائلاً: “ما زلت أذكر تلك اللحظات عندما فرشت الزرابي الرباطية لاستقبال الضيوف، وقدمنا الحلويات التقليدية، والشاي بالنعناع، والأطباق المغربية الشهية”. ويعتبر المسجد الكبير في روما رمزًا للتعايش والتآلف بين الثقافات، فضلاً عن كونه مركزًا حيويًا للجالية المسلمة في إيطاليا.

منذ افتتاحه في عام 1995، أصبح مسجد روما الكبير مركزًا دينيًا وثقافيًا هامًا للمسلمين في إيطاليا، حيث يضم المركز الثقافي الإسلامي في إيطاليا، الذي يتضمن مكتبة، ومدرسة لتعليم اللغة العربية، ومركزًا للمؤتمرات. كما يوفر المسجد مجموعة من الخدمات الاجتماعية مثل عقد القران، تنظيم حفلات الزفاف، إقامة الجنازات، ودروس تفسير القرآن والسنة النبوية، فضلاً عن استضافة مؤتمرات دينية مهمة.

كما يولي المسجد اهتمامًا خاصًا بالجانب الاجتماعي، حيث يقدم خدمات طبية مجانية من خلال أطباء متطوعين، في خطوة تعكس حرصه على خدمة الجالية المسلمة.

مسجد روما الكبير هو تحفة معمارية أنشأها المهندس الإيطالي باولو بورتوجيزي، ويجمع بين الجماليات الروحية للإسلام والتقاليد الفنية لمدينة روما. وقد استغرق بناء المسجد أكثر من 20 عامًا، بمشاركة مهندسين معماريين آخرين مثل فيتوريو جيجليوتي وسامي الموسوي. من أبرز معالم المسجد مئذنته التي تتجاوز 40 مترًا، والتي تعلوها أهلة فضية، بالإضافة إلى مساحته التي تمتد على 30 ألف متر مربع، التي تزينها أشكال فسيفساء هندسية على الأعمدة وجدران قاعة الصلاة.

يتكون المسجد من ثلاثة أقسام رئيسية: قاعة الصلاة المستطيلة الشكل التي تحتوي على 16 قبة، والمئذنة المستوحاة من الطراز الأندلسي، فضلاً عن المعهد للدراسات الإسلامية في الطابق الثاني. كما يحتوي المبنى على قاعة للمناسبات في الطابق الثالث. وتتميز قاعة الصلاة بفسيفساء مغربية وزخارف تعكس آيات قرآنية باللغة العربية، بينما تضفي النوافذ الملونة جوًا روحانيًا وتأمليًا على المكان.

يُعتبر التصميم الداخلي للمسجد متأثرًا بفن التوريق المغربي التقليدي، حيث تزين الزخارف النباتية الجميلة القاعة الرئيسية. إن الفسيفساء التي تغطي الأعمدة وجدران قاعة الصلاة والمنبر تعكس إبداعًا فنيًا استثنائيًا، مما يجعل مسجد روما الكبير معلمًا معماريًا لا يُنسى.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: