إسقاط طائرة مسيّرة يشعل التوتر بين الجزائر ومالي وسط اتهامات متبادلة

اردان ماجدة

أثار إعلان الجيش الجزائري عن إسقاط طائرة مسيّرة اخترقت المجال الجوي في أقصى الجنوب، تزامنًا مع اختفاء طائرة مسيّرة تابعة للجيش المالي، تساؤلات حول هشاشة الوضع الأمني في منطقة الساحل الأفريقي والتحديات التي تواجهها الجزائر على حدودها الجنوبية. وقد وجهت أصابع الاتهام إلى مالي وتركيا، التي يُعتقد أنها مصدر الطائرة، مما زاد من تعقيد المشهد الإقليمي.

أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية عن تمكن وحدة من الدفاع الجوي من إسقاط طائرة دون طيار في بلدة تين زواتين، بعد اختراقها المجال الجوي الجزائري لمسافة كيلومترين. ورغم عدم كشف الوزارة عن تفاصيل إضافية، فإن انتشار صور لحطام الطائرة على وسائل التواصل الاجتماعي كشف عن بيانات تشير إلى أنها من نوع “بيرقدار” التركية، التي زودت بها أنقرة الجيش المالي بموجب اتفاقيات عسكرية.

هذا التطور يعكس تصاعد المخاوف الجزائرية من تداعيات الدعم العسكري التركي لمالي، خصوصًا في ظل العلاقة المتوترة بين الجزائر والمجلس العسكري الحاكم هناك، وسط اتهامات بأن هذا الدعم قد يجر المنطقة إلى حالة من عدم الاستقرار.

الموقف الجزائري: مخاوف من صراع إقليمي

الجزائر، التي تتبنى سياسة عدم التدخل المباشر في مالي، تجد نفسها أمام موقف معقد، إذ تخشى أن يؤدي هذا الحادث إلى مواجهة غير مباشرة مع تركيا وروسيا، الداعمتين للجيش المالي. فرغم علاقاتها القوية مع موسكو وأنقرة، إلا أن دعم الأخيرة للمجلس العسكري المالي، الذي يخوض نزاعًا مع جماعات انفصالية محسوبة على الجزائر، قد يضعها في موقف حرج.

وفي هذا السياق، أكد بيان الجيش الجزائري أن إسقاط الطائرة جاء في إطار حماية السيادة الوطنية، مشددًا على أن القوات المسلحة مستعدة للتعامل مع أي تهديد يمس الأمن القومي.

في المقابل، أصدر الجيش المالي بيانًا أقر فيه بـ تحطم طائرة مسيرة تابعة له خلال مهمة استطلاعية في منطقة تين زواتين، دون وقوع خسائر مادية أو بشرية. وأوضح البيان أن الطائرة كانت تحمل أسلحة، لكن لم يحدث أي انفجار بسبب الإجراءات الأمنية المتبعة. كما أعلن عن فتح تحقيق لمعرفة ملابسات الحادث وتحديد المسؤوليات.

ورغم هذا التصريح، فإن وجود أسلحة على متن الطائرة يفتح الباب أمام احتمالات أخرى، منها تنفيذ عمليات تجسس أو هجمات داخل الأراضي الجزائرية، مما يزيد من تعقيد المشهد ويعزز الشكوك الجزائرية حول النوايا المالية.

أضفت جبهة تحرير أزواد، التي تنشط في شمال مالي، بعدًا جديدًا على الأزمة، حيث أعلنت في بيان مقتضب مسؤوليتها عن إسقاط الطائرة المسيرة، معتبرة أنها “جهاز إرهابي يتم التحكم فيه عن بعد من قبل مرتزقة أجانب”، في إشارة إلى الجيش المالي المدعوم من تركيا وروسيا. وانتشرت صور على وسائل التواصل الاجتماعي لمسلحين من الطوارق يحملون أسلحة قرب حطام الطائرة، مما يضيف عنصرًا جديدًا للنقاش حول الأطراف المتورطة في الحادث.

لم تتوقف التوترات عند إسقاط الطائرة، حيث أعلن الجيش المالي عن تنفيذ غارات جوية استهدفت مسلحين قرب الحدود الجزائرية، زاعمًا أن الأهداف كانت “إرهابيين” يستقلون سيارات رباعية الدفع. غير أن مصادر محلية وناشطين من جبهة تحرير أزواد أكدوا أن الغارات استهدفت منقبين عن الذهب، وهو نشاط منتشر في المنطقة وغالبًا ما يكون موضع اشتباه من قبل السلطات المالية.

هذا التصعيد يفتح الباب أمام مواجهات محتملة بين الجيش المالي والمجموعات المسلحة المدعومة جزائريًا، مما قد يجر المنطقة إلى مزيد من الفوضى والتوترات الأمنية.

الجزائر بين الحسابات السياسية والمخاوف الأمنية

رغم هذه التطورات، لا تزال الجزائر تحافظ على موقف حذر، ولم تصدر أي إدانة رسمية تجاه تركيا أو روسيا، مما يعكس رغبتها في تجنب تصعيد علني مع حلفائها الدوليين. لكنها في الوقت نفسه، تدرك أن استمرار الدعم التركي والروسي للجيش المالي قد يشكل تهديدًا مباشرًا لمصالحها، خاصة إذا استمر الضغط العسكري على المجموعات الانفصالية التي تعتبرها الجزائر ورقة استراتيجية في المنطقة.

حادثة إسقاط الطائرة المسيرة، والتوترات المصاحبة لها، تكشف عن تعقيدات الوضع في منطقة الساحل الأفريقي، حيث تتداخل المصالح الإقليمية والدولية في صراع متعدد الأوجه. وبينما تسعى الجزائر للحفاظ على توازنها الاستراتيجي، فإن تصاعد التهديدات الأمنية على حدودها الجنوبية قد يدفعها إلى مراجعة حساباتها العسكرية والدبلوماسية في المنطقة، خاصة في ظل تنامي النفوذ التركي والروسي في مالي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: