الجزائر ترضخ أمام فرنسا وتطوي ملف الصحراء المغربية: نقطة تحول جيوسياسية في المنطقة

بوشعيب البازي

بعد أشهر من التوتر والقطيعة، وجدت الجزائر نفسها مضطرة للرضوخ للضغوط الفرنسية، لتُسدل الستار على الأزمة بين البلدين دون تحقيق أي مكاسب تُذكر. وعلى عكس ما كانت تطمح إليه، فرضت باريس أجندتها بالكامل، بينما تراجع النظام الجزائري عن موقفه الحاد تجاه قضية الصحراء المغربية، التي باتت ملفًا غير ذي أهمية في علاقاته مع فرنسا. هذا التحول يعكس هزيمة دبلوماسية كبرى للجزائر ويشكل نقطة تحول قد تعيد رسم المشهد الجيوسياسي في المنطقة المغاربية.

العودة إلى طاولة المصالح المشتركة

لم يكن هذا التراجع مفاجئًا، فقد لمح إليه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال لقائه الصحفي الأخير، لكنه هذه المرة جاء مصحوبًا بإذلال سياسي غير مسبوق. فقد أسفرت المكالمة الهاتفية بين تبون وماكرون يوم 31 مارس عن بيان مشترك أنهى الأزمة بين البلدين، حيث أعادت الجزائر التعاون الأمني والحوار الاستراتيجي، كما استؤنفت العلاقات الاقتصادية والتجارية، إضافة إلى إعادة فتح الملفات العالقة المتعلقة بالهجرة والعدالة و”الذاكرة الاستعمارية”. بل إن باريس تمكنت حتى من الحصول على تعهد جزائري ببحث إمكانية إطلاق سراح الروائي بوعلام صنصال، المسجون منذ نوفمبر 2024 بسبب تصريحاته حول الأراضي المغربية التي اقتطعتها فرنسا وضمّتها إلى الجزائر.

ملف الصحراء.. الغائب الأكبر

المثير في البيان المشترك أن ملف الصحراء المغربية غاب تمامًا عن النقاش، رغم كونه أصل الأزمة الدبلوماسية الأخيرة. لم يكن ذلك من قبيل الصدفة، بل جاء كنتيجة مباشرة لتغيير تبون لموقفه من القضية خلال لقاء صحفي في 22 مارس، حين قال – باللغة الفرنسية – إن اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء “لا يزعج الجزائر”، مدعيًا أن القضية تهم الأمم المتحدة فقط. هذا التصريح شكّل تراجعًا صادمًا، خاصة أنه يتناقض تمامًا مع الخطاب التصعيدي الذي تبناه النظام الجزائري طوال السنوات الماضية.

إهانة دبلوماسية تفوق أزمة إسبانيا

على عكس ردة الفعل العنيفة تجاه إسبانيا حين أعلنت دعمها لمخطط الحكم الذاتي المغربي، لم تستطع الجزائر هذه المرة سوى التراجع دون أي مقاومة أمام فرنسا، وهو ما يُعتبر هزيمة أكبر مما حدث مع مدريد. فبينما حاول النظام الجزائري حفظ ماء وجهه سابقًا عبر ردود فعل تدريجية تجاه إسبانيا، فإن تراجعه عن مواجهة فرنسا جاء سريعًا ومهينًا.

تحول استراتيجي في العلاقات المغاربية

بالنسبة لفرنسا، أصبح ملف الصحراء “مسألة محسومة”، ولم يعد يُستخدم كعامل توازن بين الجزائر والمغرب. وبهذا، تكون باريس قد أجبرت الجزائر على تغيير استراتيجيتها الخارجية، حيث لم تعد الصحراء ورقة مساومة في علاقاتها الدبلوماسية، بل تم إقصاؤها تمامًا من النقاش.

هذا التحول ليس مجرد موقف سياسي عابر، بل يمثل نقطة تحول جيوسياسية تُظهر أن الجزائر باتت معزولة دوليًا فيما يتعلق بموقفها من قضية الصحراء. فمع تزايد الدول الداعمة لمغربية الصحراء، أصبح من الواضح أن الجزائر لن تستطيع بعد اليوم فرض هذا الملف كعنصر رئيسي في علاقاتها الدولية، خاصة مع القوى الكبرى.

بالنظر إلى تطورات الأزمة، يبدو أن الجزائر استوعبت الدرس، حيث تدرك اليوم أن معاداة الدول الداعمة لمغربية الصحراء لم يعد خيارًا مجديًا، وأنها مضطرة للتأقلم مع الواقع الجديد. البيان المشترك الصادر في 31 مارس هو بمثابة اعتراف رسمي من الجزائر بأنها غير قادرة على مواجهة التيار الدولي المتزايد لصالح السيادة المغربية على الصحراء.

مع هذا التطور، يتأكد مرة أخرى أن المغرب نجح في فرض رؤيته لحل النزاع الإقليمي، مدعومًا باعتراف دولي متزايد بمغربية الصحراء. أما الجزائر، فقد خسرت ورقة كانت تراهن عليها لعقود، لتجد نفسها في موقف ضعيف لا يسمح لها بمواصلة استراتيجيتها القائمة على التصعيد والعزلة الدبلوماسية.

ما حدث ليس مجرد نهاية لأزمة دبلوماسية بين باريس والجزائر، بل هو تحول جذري يُعيد تشكيل موازين القوى في شمال إفريقيا. الجزائر، التي طالما استخدمت قضية الصحراء في علاقاتها الدولية، تجد نفسها اليوم مضطرة للتخلي عنها كشرط أساسي في سياساتها الخارجية. في المقابل، يستمر المغرب في تعزيز موقعه على الساحة الدولية، مستفيدًا من دعم متزايد لمبادرته للحكم الذاتي، وهو ما يكرّس تآكل الخطاب الجزائري حول القضية ويؤكد أن حسم الملف بات مسألة وقت ليس إلا.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: