لا يقتصر الحكم بالسجن لمدة خمس سنوات على الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال على كونه انتهاكًا لحرية التعبير، بل يعكس أيضًا استخفافًا بالانعكاسات السلبية التي قد تتعرض لها الجزائر على مستوى سمعتها الدولية والثقة بها.
بوعلام صنصال، الكاتب البالغ من العمر 76 عامًا والذي يعاني من مرض السرطان، ليس مجرد مواطن عادي ليُنظر إلى قضيته على أنها شأن داخلي. فهو كاتب ذو مكانة أدبية تُنشر أعماله في دار غاليمار الفرنسية، ويحمل الجنسيتين الجزائرية والفرنسية. كما أن التهمة الموجهة إليه، والتي حُكم عليه بسببها، لا يمكن اعتبارها جريمة إلا من منظور السلطات الجزائرية التي اختارت أن تجعله مثالًا على قدرتها على القمع.
جاءت القضية بسبب تصريح أدلى به صنصال لإحدى الصحف الفرنسية. ولو كانت لديه نية للإساءة إلى الجزائر، لما زار بلده الأصلي حيث أُلقي القبض عليه. ليس من المنطقي أن يُقدّم شخصٌ نفسه طواعية إلى سجانيه وهو يعلم أنهم بانتظاره.
قضية حرية التعبير أم تجاوز للخطوط الحمراء؟
التهمة الموجهة إليه تتعلق بـ”المساس بوحدة الجزائر”، وهي تهمة علّق عليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقوله إنه يثق في حكمة نظيره الجزائري عبد المجيد تبون في التعامل مع القضية. غير أن صنصال، فيما يبدو، تجاوز خطوطًا حمراء تخشى السلطات الجزائرية المساس بها، خاصة فيما يتعلق بالسرد التاريخي الرسمي.
ليس سرًا أن علاقة صنصال بالنظام الجزائري لم تكن جيدة، لكن ارتباطه بوطنه لم ينقطع أبدًا، إذ لم يتخذ من فرنسا منفى دائمًا، بل كان يتردد على الجزائر بين الحين والآخر.
ومع ذلك، فإن خطأ الدولة الجزائرية في هذه القضية أكبر بكثير من أي خطأ قد يكون ارتكبه صنصال. فبالإضافة إلى انتهاك حرية التعبير، تم الزجّ برجل مريض في السجن بسبب رأيه، وليس بسبب ارتكابه جرمًا حقيقيًا كالتخريب أو التحريض على العنف.
الاختلاف الفكري لا يُقابل بالعقاب
لا يمكن إنكار أن لصنصال مواقف مثيرة للجدل، مثل علاقته ببعض الشخصيات اليهودية المرتبطة بالفكر الصهيوني. لكن حتى إن كان رأيه محل خلاف، فإن الحل لا يكمن في العقاب، بل في الحوار. فالأفكار تُناقش وتُفند بالحجة، وليس بالقمع والسجون.
شهد العالم العربي موجات من القمع والتضييق على حرية الفكر، لكن النتيجة كانت كارثية، حيث أصبحت بعض الدول تحت حكم مجموعات مسلحة تفتقر إلى أي رؤية تنموية أو فكرية. فهل ترغب الجزائر في السير على هذا المسار؟
المؤلم في هذه القضية أن يتم سجن كاتب فقط لأنه عبر عن رأيه. هذا النوع من القمع ينتمي إلى عصور الظلام، حيث كانت الأفكار تُحاكم بدلًا من أن تُناقش.
لطالما كانت الجزائر رمزًا للنضال والتحرر في أعين التقدميين حول العالم، فكيف أصبحت الآن تخشى من مجرد رأي؟ الفكر قد يكون خاطئًا، لكنه لا يمكن أن يكون خيانة.
في النهاية، خسرت الجزائر معركة الصورة الدولية حينما وضعت كاتبًا مسنًا ومريضًا في مواجهة سلطة الدولة. ليس لأنه خالف القانون، بل لأنه فكر بطريقته الخاصة.