في عالم اليوم، حيث تنتشر المعلومات بسرعة البرق، يظن البعض أن امتلاكهم لبعض العناوين أو العبارات المنمقة يجعلهم مثقفين أو خبراء في مجالات لا يفقهون فيها شيئًا. هؤلاء هم الجهلاء المقنعون، الذين يحاولون إيهام الآخرين بأنهم يملكون معرفة واسعة، بينما هم في الحقيقة يرددون ما يسمعونه دون تدقيق أو فهم عميق.
من المثير للسخرية أن بعض هؤلاء الجهلاء لا يستطيعون حتى التمييز بين الشخصيات التاريخية، رغم ادعائهم الفهم العميق للتاريخ. خذ على سبيل المثال من لا يعرف الفرق بين عبد الكريم الخطابي ومحمد بن عبد الكريم الخطابي. الأول كان قاضيًا في الريف المغربي، بينما الثاني هو ابنه، القائد الشهير الذي قاد المقاومة ضد الاستعمار الإسباني والفرنسي في العشرينيات من القرن الماضي. ومع ذلك، نجد من يتحدث بثقة زائفة عن “عبد الكريم الخطابي” باعتباره قائد حرب الريف، متجاهلاً أن هذا الاسم يعود للأب، لا للابن الذي قاد الثورة فعليًا.
مثل هذه الأخطاء تكشف أن بعض الناس لا يسعون وراء المعرفة الحقيقية، بل يكتفون بترديد ما يسمعونه دون بحث أو تدقيق. إن المشكلة ليست في الجهل نفسه، فالجهل أمر طبيعي ويمكن تعويضه بالتعلم، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في الجهل المقترن بالغرور، حيث يصرّ صاحبه على أنه على حق حتى في أكثر الأمور وضوحًا.
ففي كل زمان ومكان، يظهر بعض الجهلاء الذين يحاولون التظاهر بالمعرفة والثقافة، مدّعين امتلاكهم فهماً عميقاً للأمور التي يجهلونها في الحقيقة. تراهم يتحدثون بثقة زائفة، يستخدمون مصطلحات معقدة لإيهام الآخرين بأنهم خبراء، بينما هم في الواقع يرددون أفكارًا سطحية أو مغلوطة. هؤلاء لا يبحثون عن الحقيقة، بل يسعون فقط إلى نيل الإعجاب وإثبات تفوقهم الوهمي على من حولهم. والأسوأ أنهم قد يقودون غيرهم إلى الخطأ، إذ إن ثقة الجاهل غالبًا ما تكون أشد من تواضع العالم.
إن الثقافة الحقيقية لا تُقاس بعدد الكلمات التي يعرفها الشخص أو بعدد المواضيع التي يدّعي الإلمام بها، بل بقدرته على التمييز بين الحقيقة والادعاء، وباستعداده للتعلم والتواضع أمام ما يجهله. أما من يعتقد أن الصراخ والثقة الزائفة يمكن أن تغطي على جهله، فلن يكون سوى مثال حي للمثل القائل: “الجاهل عدو نفسه”.