الجزائر تعدّل خطابها تجاه فرنسا: بين التهدئة والاعتراف بفشل الضغوط

مجدي فاطمة الزهراء

في تحول لافت في الخطاب السياسي، أبدى الرئيس الجزائري موقفًا مغايرًا تجاه فرنسا، بعيدًا عن لغة التصعيد المعتادة. ففي مقابلة مع عدد من الصحافيين، دعا إلى التعامل مع الخلافات بحكمة، مشيرًا إلى أهمية الحوار المباشر بين البلدين. هذه الرسائل حملت ثلاث إشارات أساسية: أولًا، اعتبار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المرجعية الأساسية للحوار، وهو ما قد يعكس رغبة جزائرية في تجاوز بعض المواقف الفرنسية المثيرة للجدل. ثانيًا، التلميح إلى أن العلاقات الفرنسية المغربية، بما في ذلك زيارات المسؤولين الفرنسيين للأقاليم الصحراوية، لم تعد تشكل عامل استفزاز للجزائر. ثالثًا، التأكيد على أن الحوار ينبغي أن يتم عبر القنوات الرسمية، ممثلة في وزارتي الخارجية.

تحليل هذه الإشارات يكشف تحولًا في الموقف الجزائري، خصوصًا في ما يتعلق بقضية الصحراء، التي كانت سببًا رئيسيًا في التصعيد السابق. الجزائر، التي لوّحت سابقًا بإجراءات تصعيدية ضد باريس بعد دعمها لمغربية الصحراء، تبدو الآن أكثر براغماتية، بعد إدراكها أن موقف فرنسا لن يتغير، تمامًا كما لم تتغير مواقف إسبانيا رغم الضغوط الجزائرية. التراجع الجزائري في هذا الملف يعكس فشل محاولات الضغط السابقة، سواء عبر البيانات النارية لوزارة الخارجية أو من خلال توظيف ورقة الغاز والطاقة.

على الجانب الآخر، يبدو أن الرئيس الجزائري يحاول إعادة ضبط العلاقة مع فرنسا من خلال التركيز على مرجعية ماكرون، في محاولة لعزل وزارة الداخلية الفرنسية عن إدارة الأزمة، خاصة في ما يتعلق بملف التأشيرات، الذي شكّل مصدر قلق كبير للسلطات الجزائرية. الإشارة هنا واضحة: الجزائر ترى أن حل التوتر يكمن في إعادة الملف إلى يد الرئيس الفرنسي، مع تلميح ناعم إلى ضرورة مراجعة السياسات التي اتبعتها الداخلية الفرنسية.

ورغم نبرة التهدئة، فإن بعض التصريحات حملت تناقضات، خصوصًا فيما يتعلق بملف الذاكرة. فبينما أكد الرئيس الجزائري أن هذا الملف ليس ورقة ضغط سياسية، كان البرلمان الجزائري في الوقت ذاته يستعد لإعادة طرح مشروع قانون تجريم الاستعمار الفرنسي. هذه الازدواجية لم تغب عن باريس، التي ردّت بشكل حاسم بعد أيام قليلة من تصريحات الرئيس الجزائري، حيث اتخذت وزارة الداخلية الفرنسية إجراءات تصعيدية بمنع 800 مسؤول جزائري من دخول أراضيها، في رسالة واضحة بأن محاولات الجزائر للعب على أكثر من وتر لن تمر دون ردّ.

ما يمكن استخلاصه من هذه التطورات هو أن الجزائر أدركت أن التصعيد مع فرنسا لم يحقق أي مكاسب سياسية، وأن العلاقات الفرنسية المغربية باتت أمرًا واقعًا لا يمكن تغييره بالضغط الدبلوماسي أو الاقتصادي. كما أن التلويح بالخطاب الشعبوي لم يؤتِ ثماره، بل كشف محدودية التأثير الجزائري في الساحة الدولية، خصوصًا بعدما فشلت محاولاتها في الضغط على مدريد وباريس بشأن ملف الصحراء. في النهاية، الجزائر تحاول إعادة ترتيب أوراقها لتجنب مزيد من الخسائر، لكنها تفعل ذلك في سياق إقليمي ودولي لم يعد يسمح لها بفرض شروطها كما كانت تتوقع.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: