شهدت منصة تيك توك في الآونة الأخيرة تصاعدًا خطيرًا في مستوى الصراعات الرقمية بين مجموعات مختلفة، حيث باتت هذه الصراعات تتجاوز الحدود الافتراضية إلى تأثيرات واقعية تمس الأفراد والمجتمع.
أصبح من الشائع مشاهدة حملات تشهير، نشر معلومات خاصة، انتهاك خصوصية الأفراد، وحتى التهجم على النساء والأطفال، بما في ذلك ذوو الاحتياجات الخاصة.
هذا الانفلات الرقمي يطرح تساؤلات حول دور السلطات المغربية في ضبط هذا الفضاء الافتراضي ومنع تحوله إلى ساحة فوضى تؤثر على الأمن الاجتماعي. لم يعد تيك توك مجرد منصة ترفيهية، بل أصبح في بعض الحالات ساحة معركة تستغلها أطراف مجهولة،
بعضها قد يكون مدفوعًا بأجندات خارجية، بهدف إسكات الأصوات الوطنية والتأثير على الرأي العام المغربي. هذه الحرب الرقمية تتجاوز في بعض جوانبها حتى أساليب العصابات التقليدية، حيث يتم استهداف العائلات، وتشويه السمعة، واستخدام تقنيات متطورة مثل الصور والفيديوهات المفبركة. الخطورة الأكبر تكمن في أن معظم هذه الحسابات تعمل تحت أسماء مستعارة وهويات مجهولة،
مما يجعل تعقب أصحابها تحديًا للسلطات الأمنية. ورغم تلقي الشرطة المغربية والبلجيكية شكاوى بشأن بعض هذه الممارسات، إلا أن التحقيقات ما زالت جارية لمعرفة الهويات الحقيقية لبعض الأفراد المتورطين.
في ظل هذا الوضع المتأزم، يبرز السؤال: متى ستتدخل السلطات المغربية لوضع حد لهذا الانفلات؟ الواقع أن القانون المغربي يتضمن بالفعل نصوصًا تجرم التشهير، الابتزاز الإلكتروني، وانتهاك الخصوصية، لكن التحدي الأكبر يكمن في تنفيذ هذه القوانين على منصات دولية مثل تيك توك، حيث يتم استغلال الثغرات القانونية والتقنية لإخفاء هوية المتورطين. من الحلول التي يمكن للسلطات المغربية تبنيها تعزيز التعاون مع المنصات الرقمية الكبرى مثل تيك توك، من خلال توقيع اتفاقيات تعاون تتيح تتبع الحسابات المشبوهة وإغلاقها بسرعة، سن قوانين أكثر صرامة لمكافحة الجرائم الإلكترونية، مع فرض عقوبات رادعة على المتورطين، توعية المستخدمين بمخاطر مشاركة بياناتهم أو الدخول في صراعات قد تؤدي إلى أضرار جسيمة، وإنشاء وحدة خاصة في الأمن الوطني متخصصة في الجرائم الرقمية، قادرة على رصد وتتبع الحسابات التي تنشر الفوضى والتحريض على العنف.
لا يمكن ترك منصات مثل تيك توك تتحول إلى ساحة مفتوحة للحروب الافتراضية التي تتجاوز تأثيراتها العالم الرقمي إلى الواقع، مهددةً الأفراد والأمن الاجتماعي. المطلوب هو تدخل سريع وحازم من السلطات المغربية لضبط هذا الفضاء، بالتوازي مع حملات توعية تحث المستخدمين على الاستخدام المسؤول للمنصات الرقمية. فالحرية الرقمية لا تعني الفوضى، وعلى الجميع تحمل مسؤوليته في الحفاظ على بيئة إلكترونية آمنة ومحمية.