مع اقتراب موعد الجلسة المغلقة لمجلس الأمن الدولي منتصف أبريل المقبل، عاد الجدل حول فعالية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء المغربية (مينورسو)، حيث أكد تقرير حديث للمعهد الأميركي لأبحاث السياسات العامة على ضرورة إنهاء بعثات حفظ السلام التي فشلت في تحقيق أهدافها، ومنها مينورسو، التي استمرت لأكثر من 30 عامًا دون تقديم حلول ملموسة للصراع.
أنشئت مينورسو عام 1991 بقرار من مجلس الأمن، وكان الهدف الأساسي من وجودها تنظيم استفتاء حول تقرير المصير في الصحراء المغربية، وهو الأمر الذي لم يتحقق على مدار العقود الثلاثة الماضية. بل على العكس، يرى التقرير الأميركي أن استمرار عمل البعثة بات يساهم في إطالة أمد النزاع بدلاً من حله، حيث تستفيد جبهة البوليساريو من دعم الأمم المتحدة في الوقت الذي تواصل فيه منع اللاجئين الصحراويين المحتجزين في مخيمات تندوف من العودة إلى المغرب.
كما أشار التقرير إلى التكلفة الباهظة لبعثة مينورسو، حيث بلغت ميزانيتها لعام 2024 أكثر من 70 مليون دولار، وهو مبلغ ضخم بالنظر إلى عدم تحقيقها لأي تقدم حقيقي في حل النزاع. ومع تزايد التساؤلات حول جدوى استمرارها، تتجه الولايات المتحدة، الداعم الأكبر لبعثات حفظ السلام، إلى إعادة النظر في تمويلها، خاصة بعد اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء.
يرى هشام معتضد، الخبير في العلاقات الدولية، أن أي تقليص محتمل لمساهمات واشنطن في بعثات الأمم المتحدة سيؤثر بشكل مباشر على مهام مينورسو، خصوصًا وأن البعثة فقدت الكثير من فاعليتها في ظل التطورات السياسية الأخيرة. ويضيف أن مينورسو مطالبة بمراجعة دورها كمراقب إيجابي، بما يتماشى مع رؤية مجلس الأمن التي تؤكد على ضرورة الوصول إلى حل سياسي واقعي ودائم، بدلاً من استمرار الوضع الحالي الذي لا يخدم سوى إطالة الأزمة.
تزايد الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء
تزامنًا مع تراجع الدعم لبعثة مينورسو، يشهد ملف الصحراء المغربية تحولًا واضحًا في المواقف الدولية. إذ أصبح مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب عام 2007 يحظى بتأييد متزايد، حيث باتت قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة تتجنب الإشارة إلى الاستفتاء أو تقرير المصير، مما يعكس تغيرًا في الرؤية الأممية نحو حل سياسي براغماتي بعيد عن الطروحات القديمة.
وفي هذا السياق، يرى عباس وردي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس في الرباط، أن إخراج ملف الصحراء المغربية من اللجنة الرابعة للأمم المتحدة بات مسألة وقت، إذ يتماشى مع توجه مجلس الأمن نحو دعم الحكم الذاتي كحل نهائي. كما أن افتتاح العديد من القنصليات الدولية في مدينتي العيون والداخلة يعكس اعترافًا دبلوماسيًا متزايدًا بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
تقليص ميزانية بعثات حفظ السلام: خطوة حاسمة؟
يأتي هذا الجدل في ظل سياسة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي سبق أن خفضت تمويل واشنطن لبعثات حفظ السلام بنسبة 54% عام 2019، وهو ما أثر على عدة بعثات أممية، من بينها مينورسو. والآن، مع استمرار الضغوط على الأمم المتحدة لترشيد نفقاتها، هناك مؤشرات قوية على أن مستقبل هذه البعثة بات محل مراجعة جادة، خاصة مع تصاعد الانتقادات حول فعاليتها.
وسط هذه التطورات، تبدو مينورسو أمام مرحلة حاسمة، حيث يتزايد الضغط لإنهاء مهامها بعد عقود من الإنفاق دون تحقيق نتائج ملموسة. ومع تصاعد الاعتراف الدولي بموقف المغرب، وتوجه مجلس الأمن نحو الحل السياسي الواقعي بدلًا من الاستفتاء، فإن بقاء البعثة على وضعها الحالي أصبح أمرًا غير مضمون. فهل نشهد قريبًا إعلان نهاية إحدى أطول بعثات حفظ السلام في العالم؟